جوره وأقر له على نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية وأؤدي ما أوحى إلي حذرا من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة (١) لا يدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته لا إله إلا هو لأنه قد أعلمني أني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة وهو الله الكافي الكريم فأوحى إلي ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) في علي يعني في الخلافة لعلي بن أبي طالب عليهالسلام ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).
معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إلي وأنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية إن جبرئيل عليهالسلام هبط إلي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام ربي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب عليهالسلام أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وهو وليكم من بعد الله ورسوله وقد أنزل الله تبارك وتعالى علي بذلك آية من كتابه : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٢) وعلي بن أبي طالب عليهالسلام أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال.
وسألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وإدغال (٣) الآثمين وختل (٤) المستهزءين بالإسلام الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم ( يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) ويحسبونه ( هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ ) وكثرة أذاهم لي في غير مرة حتى سموني أذنا (٥) وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه حتى أنزل الله عز وجل في ذلك قرآنا : ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ ) على الذين يزعمون أنه أذن : ( خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الآية (٦).
ولو شئت أن أسمي بأسمائهم لسميت ـ وأن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت وأن أدل عليهم لدللت ولكني والله في أمورهم قد تكرمت وكل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل إلي ثم تلا صلىاللهعليهوآله : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) في علي ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).
فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين لهم بإحسان وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي والحر والمملوك والصغير والكبير وعلى الأبيض والأسود وعلى كل موحد ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره ملعون من خالفه مرحوم من تبعه مؤمن من صدقه فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له.
معاشر الناس إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربكم فإن الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم ثم من دونه محمد صلىاللهعليهوآله وليكم القائم المخاطب لكم ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر
__________________
(١) القارعة : الداهية والنكبة المهلكة.
(٢) المائدة : ٥٥.
(٣) الإدغال : المخالفة والخيانة ، وادغل في الأمر : ادخل فيه ما يفسده.
(٤) الختل : الخديعة.
(٥) الاذن بضمتين : الرجل المستمع لما يقال له.
(٦) التوبة : ٦١.