ونقضتم العهد وحللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد حذرا من مثل ما أتيتموه وتنبيها للأمة على عظيم ما اجترمتموه من مخالفة أمره فعن قليل يصفو لك الأمر وقد أثقلك الوزر ونقلت إلى قبرك وحملت معك ما كسبت يداك فلو راجعت الحق من قريب وتلافيت نفسك وتبت إلى الله من عظيم ما اجترمت كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم تفرد في حفرتك ويسلمك ذوو نصرتك فقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا فلم يردعك ذلك عما أنت متشبث به من هذا الأمر الذي لا عذر لك في تقلده ولا حظ للدين ولا المسلمين في قيامك به فالله الله في نفسك فقد أعذر من أنذر ولا تكون كمن أدبر واستكبر.
ثم قام أبو ذر الغفاري فقال يا معشر قريش أصبتم قباحة وتركتم قرابة والله ليرتدن جماعة من العرب ولتشكن في هذا الدين ولو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيكم ما اختلف عليكم سيفان والله لقد صارت لمن غلب ولتطمحن إليها عين من ليس من أهلها وليسفكن في طلبها دماء كثيرة فكان كما قال أبو ذر.
ثم قال لقد علمتم وعلم خياركم أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : الأمر بعدي لعلي ثم لابني الحسن والحسين ثم للطاهرين من ذريتي فأطرحتم قول نبيكم وتناسيتم ما عهد به إليكم فأطعتم الدنيا الفانية ونسيتم الآخرة الباقية التي لا يهرم شابها ولا يزول نعيمها ولا يحزن أهلها ولا يموت سكانها بالحقير التافه الفاني الزائل فكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد أنبيائها ونكصت على أعقابها (١) وغيرت وبدلت واختلفت فساويتموهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وعما قليل تذوقون وبال أمركم وتجزون بما قدمت أيديكم وما الله ( بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ).
ثم قام المقداد بن الأسود فقال يا أبا بكر ارجع عن ظلمك وتب إلى ربك والزم بيتك وابك على خطيئتك وسلم الأمر لصاحبه الذي هو أولى به منك فقد علمت ما عقده رسول الله صلىاللهعليهوآله في عنقك من بيعته وألزمك من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد وهو مولاه ونبه على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن عضدك عليه بضمه لكما إلى علم النفاق ومعدن الشنئان والشقاق عمرو بن العاص الذي أنزل الله على نبيه صلىاللهعليهوآله : ( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) (٢) فلا اختلاف بين أهل العلم أنها نزلت في عمرو وهو كان أميرا عليكما وعلى سائر المنافقين في الوقت الذي أنفذه رسول الله صلىاللهعليهوآله في غزاة ذات السلاسل وأن عمرا قلدكما حرس عسكره فأين الحرس إلى الخلافة اتق الله وبادر بالاستقالة قبل فوتها فإن ذلك أسلم لك في حياتك وبعد وفاتك ولا تركن إلى دنياك ولا تغرنك قريش وغيرها فعن قليل تضمحل عنك دنياك ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك وقد علمت وتيقنت أن علي بن أبي طالب عليهالسلام هو صاحب الأمر بعد رسول الله ـ فسلمه إليه بما جعله الله له فإنه أتم لسترك وأخف لوزرك فقد والله نصحت لك إن قبلت نصحي ( وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ).
ثم قام إليه بريدة الأسلمي فقال ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ما ذا لقي الحق من الباطل يا أبا بكر أنسيت أم تناسيت وخدعت أم خدعتك نفسك أم سولت لك الأباطيل أولم تذكر ما أمرنا به رسول الله صلىاللهعليهوآله من تسمية علي عليهالسلام بإمرة المؤمنين والنبي صلىاللهعليهوآله بين أظهرنا وقوله في عدة أوقات هذا علي أمير المؤمنين وقاتل القاسطين اتق الله وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها وأنقذها مما يهلكها واردد الأمر إلى من هو أحق به منك ،
__________________
(١) نكصت على أعقابها ، رجعت القهقري.
(٢) الكوثر : ٣.