عندي إلا كمثل غيم علا فاستعلى ثم استغلظ فاستوى ثم تمزق فانجلى.
رويدا فعن قليل ينجلي لكم القسطل (١) وتجنون ثمر فعلكم مرا وتحصدون غرس أيديكم ذعافا ممقرا (٢) وسما قاتلا وكفى بالله حكيما وبرسول الله خصيما وبالقيامة موقفا فلا أبعد الله فيها سواكم ولا أتعس فيها غيركم ( وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ).
فلما أن قرأ أبو بكر الكتاب رعب من ذلك رعبا شديدا وقال يا سبحان الله ما أجرأه علي وأنكله عن غيري.
معاشر المهاجرين والأنصار ـ تعلمون أني شاورتكم في ضياع فدك بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله فقلتم إن الأنبياء لا يورثون وإن هذه أموال يجب أن تضاف إلى مال الفيء وتصرف في ثمن الكراع والسلاح وأبواب الجهاد ومصالح الثغور فأمضينا رأيكم ولم يمضه من يدعيه وهو ذا يبرق وعيدا ويرعد تهديدا إيلاء بحق محمد صلىاللهعليهوآله أن يمضحها (٣) دما ذعافا والله لقد استقلت منها فلم أقل واستعزلتها عن نفسي فلم أعزل كل ذلك كراهية مني لابن أبي طالب وهربا من نزاعه ما لي ولابن أبي طالب أهل نازعه أحد ففلج (٤) عليه.
فقال له عمر أبيت أن تقول إلا هكذا ـ فأنت ابن من لم يكن مقداما في الحروب ولا سخيا في الجدوب سبحان الله ما أهلع (٥) فؤادك وأصغر نفسك قد صفيت لك سجالا (٦) لتشربها فأبيت إلا أن تظمأ كظمائك وأنخت لك رقاب العرب وثبت لك الإشارة والتدبير ولو لا ذلك لكان ابن أبي طالب قد صير عظامك رميما فأحمد الله على ما قد وهب لك مني وأشكره على ذلك فإنه من رقي منبر رسول الله صلىاللهعليهوآله كان حقيقا عليه أن يحدث لله شكرا وهذا علي بن أبي طالب الصخرة الصماء التي لا ينفجر ماؤها إلا بعد كسرها ـ والحية الرقشاء التي لا تجيب إلا بالرقى والشجرة المرة التي لو طليت بالعسل لم تنبت إلا مرا قتل سادات قريش فأبادهم وألزم خرهم العار ففضحهم فطب عن نفسك نفسا ولا تغرنك صواعقه ولا يهولنك رواعده وبوارقه فإني أسد بابه قبل أن يسد بابك.
فقال له أبو بكر ناشدتك الله يا عمر لما أن تركتني من أغاليطك وتربيدك فو الله لو هم ابن أبي طالب بقتلي وقتلك ـ لقتلنا بشماله دون يمينه وما ينجينا منه إلا إحدى ثلاث خصال أحدها أنه وحيد ولا ناصر له والثانية أنه ينتهج فينا وصية رسول الله صلىاللهعليهوآله والثالثة أنه
__________________
(١) القسطل : الغبار الساطع في الحرب.
(٢) الذعاف : السم الذي يقتل من ساعته. والممقر : المر.
(٣) وفي نسخة يمضخها.
(٤) فلج عليه : فاز.
(٥) الهلع : الجبن عند اللقاء.
(٦) السجال جمع سجل وهو : دلو عظيم فيه ماء.