والساحة ، من تنظيم وتوجيه أو منازلة أو مرابطة ، أو هجوم عام ، وذلك كله إنّما يتم من خلال البقاء في المركز القيادي وليتلقى الأوامر أيضاً من الإمام (عليه السلام) ، فهذا هو المدلول لكلمة الإمام : (ألم أنهك وابن عباس أن تخلاّ بمراكزكما وأن تباشرا حرباً).
وأمّا تفسير مروان لذلك الموقف فهو خطأ محض ، ولو كان لما ذكره وجه من الصحة لشمل الذكر بقية من حضر الحرب من بني هاشم كأبناء أخيه جعفر الطيار وهم محمّد وعبد الله وعون ، وكالمغيرة بن نوفل بن الحارث وعمه عبد الله بن ربيعة أخ العباس بن ربيعة وبقية الهاشميين ، فإنّ شفقة الإمام كانت على الجميع سواسية ، مع أنّ أبناء الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كانوا يخوضون الحرب معه ويحوطونه ويتقون النبال دونه ، ولا يمنع ذلك من الشفقة عليهم ، والتصدي بنفسه للعدو دونهم إذا خشي عليهم منه.
فقد روى نصر بسنده عن زيد بن وهب قال : « مرّ عليّ يومئذ ومعه بنوه نحو الميسرة ومعه ربيعة وحدها ، وإني لأرى النبل بين عاتقه ومنكبيه ، وما من بنيه أحد إلاّ يقيه بنفسه ، فيكره عليّ ذلك ، فيتقدم عليه ويحول بينه وبين أهل الشام ، ويأخذ بيده إذا فعل ذلك فيلقيه بين يديه أو من ورائه ... » (١).
ويبدو من خلال وقائع الحرب الّتي استدامت طويلاً ، كانت لابن عباس بعض المنازلات الميدانية ، ولابدّ أنّها كانت بإذن من الإمام (عليه السلام) ، وقد وجدت له ثلاثة مواقف قتالية مع أقطاب قادة أهل الشام المميّزين : كعمرو بن العاص والوليد بن عقبة وعبيد الله بن عمر ، وذي الكلاع الحميري.
____________
(١) وقعة صفين / ٢٨٠.