وأين حميّة قريش؟ فغضب الوليد بن عقبة وقال : وأيّ فعالٍ تريد ، والله ما نعرف في أكفائنا من قريش العراق مَن يغني غناءنا باللسان ولا باليد.
فقال معاوية : بل إن أولئك قد وقوا عليّاً بأنفسهم.
قال الوليد : كلا بل وقاهم عليّ بنفسه.
قال : ويحكم أما منكم من يقوم لقرنه منهم مبارزة أو مفاخرة.
فقال مروان : أمّا البراز فإنّ عليّاً لا يأذن لحسن ولا لحسين ولا لمحمّد بنيه فيه ، ولا لابن عباس وأخوته (١) ويصلى بالحرب دونهم ، فلأيّهم نبارز؟
وأمّا المفاخرة فبماذا نفاخرهم أبالإسلام أم بالجاهلية؟ فإن كان بالإسلام فالفخر لهم بالنبوة ، وإن كان بالجاهلية فالملك فيه لليمن ، فإن قلنا قريش قالت العرب فأقروا لبني عبد المطلب ... » (٢).
فبدلالة هذين الخبرين عرفنا نهي الإمام لابن عباس عن مباشرة الحرب مبارزة ، وإنّما كان النهي لئلا تخل المبارزة والمباشرة بالمركز الّذي منه تنطلق الأوامر إلى رؤساء الأخماس بالتوجيه بما تمليه الحرب في الساعة
____________
(١) لعل الصواب في العبارة أن تكون هكذا : ولا لابن عباس ولا بني اخوته. أي بني اخوة الإمام الذين كانوا معه بصفين من أبناء جعفر وعقيل. أمّا اخوة ابن عباس فلم يذكر في أسماء من حضر صفين اسم أحدٍ منهم إلاّ ان ابن عبد البر في الاستيعاب ذكر في آخر ترجمة الحبر ابن عباس فقال : شهد عبد الله بن عباس مع عليّ (رضي الله عنهما) الجمل وصفين والنهروان ، وشهد معه الحسن والحسين ومحمّد بنوه وعبيد الله وقثم ابنا العباس ومحمّد وعبد الله وعون بنو جعفر بن أبي طالب والمغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وعبد الله بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ... اهـ.
أقول : وهذا لا يخلو من نظر ، فان عبيد الله وقثم كانا واليين على اليمن ومكة ، وعقيل لم يحضر أي من الحروب الثلاثة ، نعم ورد ذكر مسلم بن عقيل في صفين وربّما كان معه بعض اخوته.
(٢) وقعة صفين / ٥٢٧ ـ ٥٢٨.