فخرّ الشاميّ لوجهه وكبّّر الناس تكبيرة ارتجت لها الأرض من تحتهم ، وسما العباس في الناس ، فإذا قائل يقول من ورائي : ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ) (١) فالتفت فإذا أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال لي يا أبا الأغر من المنازل لعدونا؟
قلت : هذا ابن أخيكم ، هذا العباس بن ربيعة. فقال : وإنّه لهو ، يا عباس ألم أنهك وابن عباس أن تخلاّ بمراكزكما وأن تباشرا حرباً؟ قال : انّ ذلك كان ، قال : فما عدا ممّا بدا؟ قال : يا أمير المؤمنين أفادعى إلى البراز فلا أجيب؟ قال : نعم طاعة أمامك أولى من إجابة عدوك ، ثمّ تغيّظ واستطار ، حتى قلت : الساعة الساعة ، ثمّ سكن وتطامن ورفع يديه مبتهلاً فقال : اللّهمّ اشكر للعباس مقامه واغفر ذنبه انّي قد غفرت له فاغفر له » (٢).
فهذا الخبر فيه صراحة النهي لابن عباس أن يخلّ بمركزه ـ القيادي ـ وأن يباشر حرباً ـ بنفسه ـ ويبدو من الخبر الآتي أنّه قد علم بهذا النهي معاوية وخاصته ، إلاّ أنّهم فسّروه حفاظاً من الإمام على سلامة ابن عباس والنفر الآخرين. وذلك فيما رواه لنا نصر بن مزاحم في كتابه قال : « وحدّثنا عمر بن سعد عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي جحيفة قال : ثمّ إنّ معاوية جمع كلّ قرشي بالشام فقال : العجب يا معشر قريش إنّه ليس لأحد منكم في هذه الحرب فعال يطول به لسانه غداً ما عدا عمراً ، فما بالكم
____________
(١) التوبة / ١٤ ـ ١٥.
(٢) عيون الأخبار ١ / ١٧٩.