وللجواب على ذلك : وجدنا نهياً من الإمام ـ وهو القائد الأعلى ـ ينهى جماعة عن مباشرة القتال كان منهم ابن عباس.
فقد روى ابن قتيبة في كتابه عيون الأخبار قال : « قال أبو الأغر التميمي : بينا أنا واقف بصفين مرّ بي العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ، مكفّرا بالسلاح ، وعيناه تبصّان من تحت المغفر كأنّهما عينا أرقم وبيده صفيحة يمانية يقلّبها وهو على فرس له صعب ، فبينا هو يمغته ويلين من عريكته ، هتف به هاتف من أهل الشام يعرف بعرار بن أدهم ، يا عباس هلمّ إلى البراز ، قال العباس : فالنزول إذا فإن أيأس من القفول ، فنزل الشامي وهو يقول :
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا |
|
أو تنزلون فإنا معشرٌ نُزُل |
وثنى العباس رجله وهو يقول :
ويصد عنك مخيلة الرجل العريض موضحة عن العظم
بحسام سيفك أو لسانك والكلم الأصيل كأرغب الكلم
ثمّ عصّب فضلات درعه في حجزته ، ودفع فرسه إلى غلام له أسود يقال له : أسلم ، كأنّي والله انظر إلى فلافل شعره ، ثمّ دلف كلّ واحد منهما إلى صاحبه فذكرت قول أبي ذؤيب :
فتنازلا وتواقفت خيلاهما |
|
وكلاهما بطل اللقاء مخدّع |
وكفّت الناس أعنّة خيولهم ينظرون ما يكون من الرجلين ، فتكافحا بسيفيهما مليّاً من نهارهما لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لامته ، إلى أن لحظ العباس وهناً في درع الشامي فأهوى إليه بيده فهتكه إلى ثندوته ، ثمّ عاد لمجادلته وقد أصحر له مفتق الدرع فضربه العباس ضربة انتظم بها جوانح صدره ،