إنّ رأس الناس بعد عليّ هو عبد الله بن عباس ، فلو ألقيت إليه كتاباً لعلك ترققه به ، فإنّه إن قال شيئاً لم يخرج عليّ منه ، وقد أكلتنا الحرب ، ولا أرانا نصل إلى العراق إلاّ بهلاك أهل الشام.
فقال له عمرو : إنّ ابن عباس (أريب) لا يُخدع ، ولو طمعت فيه لطمعت في عليّ.
فقال معاوية : صدقت إنّه لأريب ولكن على ذلك فاكتب إليه (رقعة لطيفة وتنظر ما عنده فتعمل على حسب ذلك).
(قال) فكتب إليه عمرو : (من عمرو بن العاص إلى عبد الله بن العباس) : أمّا بعد ، فإن الّذي نحن وأنتم فيه ليس بأول أمر قاده البلاء ، وساقه سفه العافية ، وأنت رأس هذا الأمر بعد عليّ (ابن عمك) ، فانظر فيما بقي ودع ما مضى ، فوالله ما أبقت هذه الحرب لنا ولا لكم حياةً ولا صبراً ، واعلم انّ الشام لا تملك إلاّ بهلاك العراق ، وإنّ العراق لا تملك إلاّ بهلاك الشام ، وما خيرنا بعد هلاك أعدادنا منكم ، وما خيركم بعد هلاك أعدادكم منّا ، ولسنا نقول ليت الحرب عادت ، ولكنا نقول ليتها لم تكن ، وإنّ فينا من يكره القتال ، كما أنّ فيكم من يكرهه ، وإنّما هو أمير مطاع (أو مأمور مطيع) ، أو مؤتمن مشاور وهو أنت ، وأمّا الأشتر الغليظ الطبع القاسي القلب فليس بأهل أن يُدعى في الشورى ، ولا في خواص أهل النجوى (وقد طال هذا بيننا حتى لقد ظننا انّ فيه الفناء وفي ذلك أقول) وكتب في أسفل الكتاب :
طال البلاء وما يُرجى له آسى |
|
بعد الإله سوى رفق ابن عباس (١) |
____________
(١) أسا الجرح أسواً وأساً : داواه ، وأسا بينهم أصلح ، والآسي : الطبيب.