وأمّا عن التركيبة السكانية فيها ، فقد كانت خليطاً من العرب والأنباط والفرس ـ وقد عرفوا بالأساورة ـ والهنود والزنج والزطّ ـ وهم من الهند أو السند ومن فصيلتهم السبابجة ـ الذين كانوا يتولون حراسة السجون وبيت المال. وقد قتل منهم أربعمائة ظلماً وعدواناً ، قتلهم جيش الناكثين بقيادة عائشة وطلحة والزبير ، وذلك يوم الجمل الأصغر.
ثمّ إنّ العرب أنفسهم كانوا قبائل مختلفة متفاوتة في الطباع ، ففيهم الحملان وداعة ، ومنهم القساة الجفاة كالضباع والسباع.
فبلد تمازجت فيه حضارات مدنية أعجمية قبل دخول حضارة الإسلام العربية ، لابدّ أن تتصادم فيه الرغبات والميول وتتعدد فيه المناحي حسب الأهواء ، ولو رجعنا إلى ما ذكره الجغرافيون والمؤرخون من خطط سكانية في تلك الأيام ، لوجدنا بعض الخطط تضم قبائل مضرية وأخرى ربعية وثالثة قحطانية ، ومع كلٍ خليط من غير العرب كالموالي يشاركون في العمل والسكن كما يشاركون في الجهاد وأخذ العطاء. ولم يعرف خلافٌ أوقع شرخاً كبيراً بين القبائل العربية كما أوقعته حرب الجمل ، فقد كانت لها مخلفات مريعة وفظيعة ، فعاشت البصرة بعد يوم الجمل في جوّ قلق واضطراب. ولم لا تكون كذلك وهي تعيش مخلّفات حرب ظالمة أودت بحياة اكثر من عشرين الف قتيل في يوم واحد!
إذن ليس من السهل ولا بالمستطاع لأيّ والٍ أن يمحو أثر ذلك من النفوس بجرّة من القلم ، لتستقر له البلاد بين عشية وضحاها. ومهما تمكّن من محو الفوارق الجنسية ، فلن يتمكن من توحيد الأهواء النفسية. لذلك فلا مناص من