قال : صدقت يا بن عباس والله ما أعرف أحداً في هذا الوقت يحبّ عمارة دار الإسلام غير ابن عمك عليّ بن أبي طالب ، لولا أنّه حكّم عبد الله بن قيس في حقّ هو له.
قال ابن عباس : ويحك يا عتاب إنا وجدنا الحكومة في كتاب الله (عزّ وجلّ) انّه قال تعالى : ( فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ) (١) ، وقال تعالى : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (٢).
قال : فصاحت الخوارج من كلّ ناحية وقالوا : فكأنّ عمرو بن العاص عندك من العدول؟ وأنت تعلم أنّه كان في الجاهلية رأساً وفي الإسلام ذَنباً ، وهو الأبتر بن الأبتر ، ممّن قاتل محمّداً صلّى الله عليه (وآله) وسلّم وفتن أمته من بعده.
فقال ابن عباس : يا هؤلاء إنّ عمرو بن العاص لم يكن حَكَماً (لنا) أفتحتجون به علينا؟ إنّما كان حَكَماً لمعاوية وقد أراد أمير المؤمنين عليّ (رضي الله عنه) أن يبعثني أنا فأكون له حَكَماً فأبيتم عليه وقلتم : قد رضينا بأبي موسى الأشعري ، وقد كان أبو موسى لعمري رضىً في نفسه وصحبته واسلامه وسابقته ، غير انّه خُدِع فقال ما قال ، وليس يلزمنا من خديعة عمرو بن العاص لأبي موسى ، فاتقوا ربّكم وارجعوا إلى ما كنتم عليه من طاعة أمير المؤمنين ، فإنّه وإن كان قاعداً عن طلب حقّه ، فإنّما ينتظر انقضاء المدة ثمّ يعود إلى محاربة القوم ، وليس عليّ (رضي الله عنه) ممّن يقعد عن حقّ جعله الله له.
____________
(١) النساء / ٣٥.
(٢) المائدة / ٩٥.