إلى الحقّ والطريق المستقيم ، وحتى بعد أن شبّت الحرب وقامت على ساق ، لم يألو جهداً في سبيل ذلك ، وتلك سيرته المثلى مع كلّ محاربيه من قبلُ ومن بعدُ ، ولكن معاوية وأشياعه طُبع على قلوبهم فلم تنفع معهم نصائح الإمام ودعواته الإصلاحية ، حتى إذا ألجأوه إلى التحكيم ، وكانت خيانة الحكمَين اللذين حكما على الكتاب ولم يحكما به ، وكانت جنايتهما على الأمة الإسلامية آخر ما تضاءل معه أمل الإمام في الاستصلاح ، إن لم يكن هي الانقطاع التام ، ولم يبق إلاّ إعلان الدعاء عليهم ليعلم المسلمون ضلالة الحكمَين وضلالة معاوية وأشياعه فدعا عليهم ولعنهم في صلواته ، وكان في ذلك مع الحقّ والحقّ معه ـ كما في الحديث النبوي الشريف (١) لذا صار فعله حجة يحتج بها فقهاء المسلمين من شيعته وغيرهم.
وأمّا جواب السؤال الرابع (هل كان من حقّ معاوية أن يردّ بالمثل) لأنّ الإمام بدأ باللعن؟
فالجواب : ليس له ذلك ، لأنّ بداية الظلم كانت منه حين عتا وتمرّد على الإمام فلم يبايعه مع أنّ بيعته لزمته منذ أوّل خلافته (عليه السلام) ، ولمّا استمر
____________
(١) أخرج الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٢٠ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ١٢٤ وصححه الذهبي في التلخيص وصدقه ، بالاسناد عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : دخلت على ام سلمة فرايتها تبكي وتذكر عليّاً وقالت : سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول : (عليّ مع الحقّ والحقّ مع علي) (عليّ مع القرآن والقرآن مع علي) ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة ، ورواه ابن عساكر في ترجمة الإمام ، وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ٧ / ٢٣٥ عن سعد بن أبي وقاص ـ قال في حديث له مع معاوية ـ فإني سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول : عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ. وفي الحديث الثالث من مناقب عليّ في سنن الترمذي قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : رحم الله عليّاً اللّهم ادر الحقّ معه حيث دار ، ورواه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٢٤.