وأمّا ما رواه الطبري وابن قتيبة فإنّه لا يمكن المساعدة عليه ، لأنّ قول الإمام (عليه السلام) في آخر كتابه : (وأقم حتى يأتيك أمري والسلام) أو (وأقم حتى آتيك) يمنع ابن عباس من التحرّك من البصرة حتى يأتيه أمره. ولم يذكر المؤرخون بما فيهم الطبري نفسه أنّ الإمام أمره بعد ذلك بالتوجّه إليه. وليس ثمة غير الكتاب المذكور ، وهذا لا يتفق بلفظه (وأقم) مع تأكيد حضوره عند الإمام ومعه بدءاً من معسكر النخيلة ومروراً بالمدائن وانتهاءً مع الخوارج بالنهروان وأخيراً حضوره بالكوفة عند مقتل الإمام (عليه السلام).
والآن إلى موقف ابن عباس من ذلك الكتاب ، وموقف الناس منه وبالتالي موقف ابن عباس من الناس. فلنقرأ بعض نصوص المؤرخين :
قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة والطبري في تاريخه واللفظ بينهما : « فلمّا قدم كتاب عليّ على ابن عباس فقرأه على الناس ، ثمّ أمرهم بالشخوص مع الأحنف بن قيس ، فشخص معه الف وخمسمائة رجل ، فاستقلّهم ابن عباس ، فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : يا أهل البصرة قد جاءني كتاب أمير المؤمنين يأمرني بإشخاصكم فأمرتكم بالمسير إليه مع الأحنف بن قيس ، فلم يشخص إليه منكم إلاّ ألف وخمسمائة ، وأنتم في الديوان ستون ألفاً سوى أبنائكم وعبدانكم ومواليكم ، ألا فانفروا مع جارية بن قدامة السعدي ولا يجعلنّ امرؤ على نفسه سبيلاً ، فإنّي موقع بكلّ من وجدته تخلّف عن دعوته (مكتبه) عاصياً لإمامه ، حزناً يعقب ندماً ، وقد أمرت أبا الأسود بحشدكم فلا يلم امرؤ جعل السبيل على نفسه إلاّ نفسه.