وقبل الإسترسال في الحديث عن موقف ابن عباس أزاء الكتاب ، لابدّ من وقفة تحقيق مع رواة الكتاب ، فثمة تحريف في بعض المصادر ربّما كان متعمداً لما يترتب عليه من نتائج سلبية بالنسبة إلى ابن عباس.
فأقول : إنّ النص الّذي ذكرته آنفاً رواه أبو حنيفة الدينوري (١) بيد أنّ الطبري ذكره في تاريخه بلفظ آخر وهو : « أمّا بعد فإنّا قد خرجنا إلى معسكرنا بالنخيلة ، وقد أجمعنا على المسير إلى عدونا من أهل المغرب ، فاشخص بالناس حتى يأتيك رسولي ، وأقم حتى يأتيك أمري والسلام » (٢).
وهذا قريب ممّا ذكره ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ففيها : « أمّا بعد فانا أجمعنا على المسير إلى عدونا من أهل الشام فأشخص إليَّ مَن قبلك من الناس وأقم حتى آتيك والسلام » (٣) ، وقد نقله أحمد زكي صفوت في جمهرة رسائل العرب (٤) نقلاً عن الطبري والإمامة والسياسة من دون ذكر التفاوت.
وما ذكرناه عن أبي حنيفة الدينوري أصح ممّا ذكره الآخران ، لأنّ الأحداث الّتي جرت بعد هذا الكتاب تدل على صحته ، فمنها حضوره مع عدد معيّن في النخيلة ، ثمّ حضوره مع الإمام بالنهروان ، وذكر وروده المدائن ، واحتجاجه على الخوارج قبل الحرب ، كلّ ذلك يؤكد صحة ما رواه الدينوري في الأخبار الطوال (فاشخص إليَّ فيمن قبلك حين يأتيك رسولي).
____________
(١) الأخبار الطوال / ٢٠٦.
(٢) تاريخ الطبري ٥ / ٧٨.
(٣) الإمامة والسياسة ١ / ١٢١.
(٤) رسائل العرب رقم / ٤٦٨.