وهي مهبط ابليس على حد تعبير الإمام ـ تروج فيها المزاعم الباطلة ، وتنفق فيها أساليب المكر والخداع من لدن معاوية ، حيث وجد في عثمانيتها أنصاراً عرف بعضهم في صفين وتعرّف على بعضهم عن طريق عيونه وجواسيسه. فهي ـ البصرة ـ أضحت بعد حرب صفين أشد عرضة للخطر الداهم سواء السياسي أو الديني المتطرف من قبل معاوية أو الخوارج ، لذلك عظمت مسؤولية ابن عباس ، فاتخذ لحزمه وبصيرته في الأمور ، التدابير اللازمة من رقابة صارمة ويقظة هادئة ، فبثّ العيون مترصدين تحركات المشبوهين ، يعاونه في ذلك المخلصون من شيعة الإمام. فأخبروه بأن الخوارج اجتمعوا في خمسمائة رجل وجعلوا عليهم مسعر بن فدكي التميمي وقد خرجوا فأتبعهم أبا الأسود الدؤلي فلحقهم في ألف فارس ، فأدركهم بالجسر الأكبر ـ جسر تستر ـ فتواقفوا حتى حجز الليل بينهم ، وأدلج مسعر بأصحابه. وأقبل يعترض الناس ، وعلى مقدمته الأشرس بن عوف الشيباني ، وسار حتى لحق بعبد الله بن وهب بالنهر (١).
فعاد أبو الأسود إلى ابن عباس فأخبره.
وليس من شكّ في أنّ الإشاعات وجدت سوقاً نافقة عما سوف يفعله الخوارج ، ومن الطبيعي أن يكثر التساؤل عما سيتخذه الإمام أزاء خروجهم ، فلم يلبث الناس حتى وافى البصرة عتبة بن الأخنس بن قيس من بني سعد بن بكر رسولا يحمل كتاب الإمام إلى ابن عباس ، وفيه : (أمّا بعد فإنّا قد عسكرنا بالنخيلة. وقد أزمعنا على السير إلى عدونا من أهل الشام. فاشخص إليَّ فيمن قبلك حين يأتيك رسولي والسلام).
____________
(١) أنظر جامع البيان للطبري ٥ / ٧٦ ـ ٧٧ ط المعارف ، والأخبار الطوال / ٢٠٥ ط تراثنا بمصر.