فقالوا : يا أمير المؤمنين نفذت نبالنا ، وكلّت أذرعنا ، وتقطّعت سيوفنا ، ونصلت أسنّة رماحنا ، فارجع بنا إلى مصرنا فلنستعد بأحسن عدّتنا ، ولعل أمير المؤمنين يزيد في عدتنا عدة من هلك منا فإنّه أقوى فإنّه أوفى (أقوى) على عدونا » (١).
قال الطبري وغيره : « وكان الّذي تولّى هذا الكلام هو الأشعث بن قيس » (٢). قال البلاذري : « وكان الأشعث طنيناً وسماه عليّ عرف النار » (٣).
فأقبل الإمام راجعاً حتى نزل النخيلة ، فأمر الناس أن يلزموا عسكرهم ، ويوطنّوا على الجهاد أنفسَهم ، وأن يقلّوا زيارة نسائهم وأبنائهم حتى يسيروا إلى عدوّهم ، فأقاموا أياماً ، ثمّ تسللوا من معسكرهم ، فدخلوا إلاّ رجالاً من وجوه الناس قليلاً ، وتُرك المعسكر خالياً ، فلمّا رأى ذلك دخل الكوفة ، وأنكسر عليه رأيه في المسير.
قال الطبري : « وكان غير أبي مخنف يقول : كانت الوقعة بين عليّ وأهل النهر سنة ثمان وثلاثين ، وهذا القول عليه أكثر أهل السير » (٤). بينما رأى اليعقوبي (٥) ، وابن تغري بردى (٦) أنّها سنة ٣٩ هـ وصحح ذلك.
____________
(١) تاريخ الطبري ٥ / ٨٩.
(٢) المصدر السابق.
(٣) أنساب الأشراف ٢ / ٣٧٩ ، وأحسب تصحيفاً وقع في قوله (طنيناً) وفسره في الهامش أي رفع الصوت فسمع الناس قوله هذا فركنوا إليه. ولعل الصواب (ظنيناً) أي متهماً في دينه. وهذا ما يتناسب مع وصف الإمام له بانه عُرف النار.
(٤) تاريخ الطبري ٥ / ٩١.
(٥) تاريخ اليعقوبي ه٢ / ١٦٩.
(٦) النجوم الزاهرة ١ / ١١٧.