والحديثة ، ولم يكتف بانقطاع حجة ابن عباس مخصوماً ، بل تعدى إلى جعله في صفهم خصماً خصوماً ، وبالتالي مفارقاً للإمام عاقاً ظلوماً.
ولم أكن أتوقع أن أقرأ يوماً عند كاتب من البهتان ما يصادم الوجدان بلا أيّ برهان ، لأنّ الناس في هذا الزمان قد تخطّوا في ثقافاتهم حواجز الزمان والمكان ، ولم تعد تنطلي عليهم أساليب الغش والخداع ، ولابدّ لمن يحكي قولاً أو رأياً أو يزعم زعماً ، أن يذكر مصدره ، ليصدّق نقله ، وليبرأ من عهدته. ثمّ يترك الأمر إلى قناعة القارئ تصديقاً أو تكذيباً.
أمّا أن يذكر شيئاً على خلاف ما هو ثابت تاريخياً ثمّ يحكيه مرسلاً عن كتاب هيّان بن بيّان عن كتاب شختي بن بختي فذلك أمرٌ مرفوض جملة وتفصيلا ، ولم أكُن يوماً شاكاً في صحة ما ورد عن بعض الخوارج وأنّهم كانوا إذا هوَوا أمراً صيّروه حديثاً ، كما روى ذلك الخطيب البغدادي في كتابيه (١) ، وكذلك روى القرطبي في تفسيره عن شيخ من شيوخ الخوارج بعد أن تاب قال : « إنّ هذه الأحاديث دين فانظروا ممّن تأخذون دينكم ، فإنّا كنّا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً » (٢).
فأنا لم أكن شاكاً في صحة ذلك عنهم ، لكني كنت أستغرب تلك المقولة ، مع ما أعطى الله الإنسان من نعمة العقل كيف يتجاهل المرء عقله فينبذه ويتّبع هواه مع ما هم عليه حيث يراؤون الناس من صلاح الظاهر وثفنات السجود.
____________
(١) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ١ / ١٣٧ ط مكتبة المعارف الرياض ، والكفاية في علم الرواية / ١٢٣ ط المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١ / ٧٨ ط دار الشعب.