فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يشيب فيها الصغير ، ويهرم فيها الكبير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه ، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهبا ، حتى إذا مضى لسبيله ، فأدلى بها لأخي عديّ بعده ، فيا عجباً بينما هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها الآخر بعد وفاته ، فصيّرها في حوزة خشناء ، يخشن مسّها ، ويغلظ كلمها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن عنف بها حزن ، وإن أسلس بها غسق ، فمني الناس بتلوّن واعتراض وبلوى ، وهو مع هن وهن. فصبرت على طول المدة ، وشدة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي منهم ، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب فيَّ مع الأوّل منهم ، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر؟ فمال رجل لضغنه ، وأصغى الآخر لصهره ، وقام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبت الربيع ، حتى أجهز عليه عمله ، وكبت به مطيته ، فما راعني إلاّ والناس إليَّ كعرف الضبع قد انثالوا عليَّ من كلّ جانب ، حتى لقد وطئ الحسنان ، وشُقّ عطفاي ، حتى إذا نهضت بالأمر نكثت طائفة ، وفسقت أخرى ، ومرق آخرون كأنّهم لم يسمعوا الله تبارك وتعالى يقول : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) بلى والله لقد سمعوها ووعوها ، لكنهم أحلولت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها ، أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لولا
____________
(١) القصص / ٨٣.