وحلّت على ابن ملجم لعنة الله ولعنة اللاعنين ومن وُلدوا ومَن ماتوا ومَن قال لهم الله كونوا فكانوا. لعنةٌ تجفّف النبع ، وتخضم الزرع ، وتحرق النبت في الأرض وهو وسيم ، وجعل الله زفير جهنم وشهيقها في أصول تكوينه ، وأهلكه ألف شيطان كبّوه على وجهه في سواء الجحيم وفيها لفح وفيها أفواه من اللهب ذات أجيج وذات صفير ... اهـ » (١).
نعم لقد قضى الإمام شهيد عظمته والصلاة بين شفتيه كما يقول ذلك مسيحي آخر. حتى قالت من كانت أشد الناس شماتة بشهادته وهي عائشة الّتي لمّا بلغها الخبر وتمثلت بقول البارقي :
فألقت عصاها واستقر بها النوي |
|
كما قرّ عيناً بالإياب المسافر |
فقد روى عنها أبو عمر انّها قالت : « فلتصنع العرب ما شاءت فليس أحدٌ ينهاها » (٢).
وهذه كلمة لها مغزاها ، أيان مرساها ، وقد صدقت في مأتاها.
أمّا عظم المأساة في جنبات الصدور فقد فجّرت مصيبته البكاء والرثاء في ذويه ومواليه.
وكان ابن عباس أحد أولئك الذين أشعلهم الحزن أواراً فأرسل دمعه مدراراً ، وأشفع دمعه بكلماته الّتي سالت مع دموعه وهي على وجازتها معربة عن مدى حزنه ، وبأبيات من نظمه ، وهي على قلتها تفيض بعاطفته ، ويشعر القارئ لها بأنّ صاحبها لمتاعٌ أشدّ التياع ، لما فيها من حرارة وافتجاع.
____________
(١) الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانية ـ عليّ وعصره ـ ٤ / ١٠٠٣.
(٢) الاستيعاب بهامش الاصابة ٣ / ٥٧ و ٢١٨.