الخطاب ، فأولى بهم أن يتخوفوا من عليّ وأن يعملوا جهدهم ألاّ يصل إلى الخلافة » (١).
ومنهم الدكتور هشام جعيّط (تونسي) ، قال في كتابه الفتنة ما يلي : « هناك في التراث التاريخي العربي ميل شديد إلى إظهار عليّ على أنّه سياسي رديء ، وحتى كأنه رجل محدود (٢) وفي المقابل هناك ميل إلى اعتبار معاوية ذا حسّ سياسي عميق. وليس في ذلك فقط انعكاس لواقع ، أو على العكس ، تعبير عن شبكة رقيقة من الروايات المعادية لعليّ ، بل هناك أيضاً الميل الغالب على العقل البشري لرفض الكمال وإلى مساواة اللعبة ، وإلى تمييز مجالات الأنشطة ، فبما ان التقوى هي نصيب عليّ ، فعندئذ تكون السياسة نصيب معاوية.
وحتى أننا نلاحظ في الموروث التاريخي المؤيد لعليّ إلى حد كبير ، نزوعاً غامضاً إلى التشديد على دهاء معاوية ، يكون في آنٍ عبقرية استراتيجية ومكر يستحق الإعجاب والإدانة.
في الواقع ليست الاُمور بهذه البساطة : فقد كان عليّ سياسياً اكثر ممّا يُعتقد ، وكان معاوية استراتيجياً أقل كياسة ، وكان بالأخص أقل مكراً ممّا جرت العادة على وصفه.
وبعد يبقى صحيحاً أنّ عليّاً كان بوجه خاص قد عرف تجربة المرحلة التاريخية النبوية المحصورة في المجال الحجازي والعربي على الأكثر ، وأنه لم
____________
(١) اليمين واليسار في الإسلام / ٩٧ ـ ٩٨ ط المؤسسة العربية للدراسات والنشر سنة ١٩٧٢.
(٢) هذه روايات من أصل أموي وأما من أصل عباسي. راجع مثلاً الطبري ٤ / ٤٣٩ حيث يبرز الواقدي على المسرح علياً وابن عباس ، علياً والمغيرة بن شعبة ، وحيث يبدو عليّ مفتقراً إلى الحسّ السياسي بالمقارنة مع الرجلين.