وإن كان الحرق أعجل من الغرق لم يقتصروا على الغرق ولم يؤخروا الحرق إلى وقت الغرق ...
فمن اقتصر ـ حفظك الله ـ من التدبير على ما في الكتاب والسنّة كان قد منع نفسه الطويل العريض من التدبير وما لا يتناهى من المكايد ، والكذب ـ حفظك الله ـ أكثر من الصدق ، والحرام أكثر عدداً من الحلال ... فعليّ (عليه السلام) كان ملجماً بالورع عن جميع القول إلاّ ما هو لله (عزّ وجلّ) رضاً ، فصار ممنوع اليدين من كلّ بطش إلاّ ما هو لله رضاً ولا يرى الرضا إلاّ فيما يرضاه الله ويحبه ، ولا يرى الرضا إلاّ فيما دلّ عليه الكتاب والسنّة ، دون ما يعوّل عليه أصحاب الدهاء والمكر والمكايد والآراء ، فلمّا أبصرت العوام كثرة نوادر معاوية في المكايد وكثرة غرائبه في الخداع ، وما اتفق له وتهيّأ على يده ولم يروا ذلك من عليّ (عليه السلام) ، ظنوا بقصر عقولهم وقلة علومهم ان ذلك من رجحان عند معاوية ونقصان عند عليّ (عليه السلام) ... » (١).
وهذا الحال ذكره غير واحد من الكتاب المعاصرين.
منهم الكاتب أحمد عباس صالح ، قال في كتابه اليمين واليسار : « وكان عليّ بن أبي طالب يمثل في نظر غالبية المسلمين الرجل الوحيد الأقرب إلى روح الإسلام وأصوله الصحيحة ، ولكنه في نفس الوقت يمثل السياسي المتشدد أو على الأصح الأكثر تشدداً من عمر بن الخطاب نفسه ، وهو الأمر الّذي جعل الكثيرين من القادة والطامحين والمستفيدين ينظرون إلى تولية عليّ بن أبي طالب نظرة حذر وتردّد. وأصحاب المصالح لم يستطيعوا أن يحتملوا عمر ، ابن
____________
(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ / ٥٧٧ ط مصر الأولى.