غدرة فجرة ، ولكلّ فجرة كفرة ، ولكلّ غادر لواء يُعرف به يوم القيامة ، والله ما أُستغفل بالمكيدة ، ولا أُستغمز بالشديدة » (١).
ولنذكر في هذا المقام ما حكاه ابن أبي الحديد عن أبي عثمان ـ الجاحظ ـ قال أبو عثمان : « وربّما رأيت بعض من يظن بنفسه العقل والتحصيل والفهم والتمييز ، وهو من العامة ، ويظن أنّه من الخاصة ، يزعم ان معاوية كان أبعد غوراً ، وأصح فكراً وأجود رويّة ، وأبعد غاية ، وأدّق مَسلكاً ، وليس الأمر كذلك ، وسأومي إليك بجملة تعرف بها موضع غلطه ، والمكان الّذي دخل عليه الخطأ مِن قبله.
كان عليّ (عليه السلام) لا يستعمل في حربه إلاّ ما وافق الكتاب والسنّة ، وكان معاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنّة كما يستعمل الكتاب والسنّة ، ويستعمل جميع المكايد حلالها وحرامها ، ويسير في الحرب بسيرة ملك الهند إذا لاقى كسرى ، وخاقان إذا لاقى رتبيل ، وعليّ (عليه السلام) يقول : لا تبدؤهم بالقتال حتى يبدؤوكم ولا تتبعوا مُدبراً ، ولا تجهزوا على جريح ولا تفتحوا باباً مغلقاً. هذه سيرته في ذي الكلاع وفي أبي الأعور السُلمي وفي عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وفي جميع الرؤساء كسيرته في الحاشية والحشو والأتباع والسفلة ، وأصحاب الحروب ان قدروا على البيات بيتوا ، وان قدروا على رضخ الجميع بالجندل وهم نيام فعلوا ، وإن أمكن ذلك في طرفة عين لم يؤخروه إلى ساعة ،
____________
(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ / ٥٧٢ ، وشرح محمّد عبده ٢ / ٢٠٦ وجاء في حديث ابن أبي شيبة في كتاب الجمل من مصنفه ١٥ / ٢٥١ ط باكستان قول كليب الجرمي وقد دخل على أمير المؤمنين (عليه السلام) بذي قار فقال : قدمت على أدهى العرب ـ يعني علياً ـ ... وقد أخرج الطبري الحديث بكامله وفيه شهادة الجرمي بأن علياً من أدهى العرب ـ راجع ٤ / ٤٩١.