سياسة معاوية لا تتقيد بحدود ولا بأوضاع ، وإنّما تركب كلّ صعب وذلول في سبيل أغراضها ، وكذلك كانت سياسة مستشاره عمرو ...
هذا ميزان نستطيع أن نزن به سياسة عليّ (عليه السلام) ومعاوية ، فقد كان عليّ محافظاً دينياً لا يمكنه أن يحمل الناس إلاّ على قانونه الخاص الّذي يسيطر عليه ، ولا يتحلل من أسره ، ولذلك هو يلتمس لنفسه شواهد من القانون تبرّر عمله ، فإن لم يجدها أحجم إحجام المذعور ، ومن ثمّ لا يعطي أذنه لأي ناصح مهما علم صدقه وصدق رأيه ما دام لا يتفق مع الدين (القانون الّذي يحترمه عليّ (عليه السلام) ويعمل به).
بينما كان معاوية متحللاً من هذا القيد ، فلم تكن سياسته قانونية بل سياسة ظرفية ، ومن ثمّ كانت قمينة بالنجاح وجديرة بأن لا تفشل.
(٣) روح العراق الّتي كانت قَبَليّة في ذلك العهد على شكل وبيل فظيع ، إذ كان يجمع أقواماً من قبائل شتى وجهات مختلفة تقوم في مجموعها على التقليد البدوي القديم الّذي لم يؤثر فيه الإسلام شيئاً ، لأنّه لم يهاجمه في محل العقيدة ومكان الضمير ، وإنّما هاجمه في الأعمال الظاهرة والشكل الصوري فقط ... وبهذا أعلل كلّ الإضطرابات الّتي ثارت في محيط العرب ، وأبرزها إكراه خليفة كعليّ (عليه السلام) لقبول التحكيم وتهديده بأن يفعل به كما فعل بعثمان (رضي الله عنه) ولقد قال عليّ كرّم الله وجهه في كلمة له : (لا رأي لمن لا يطاع) ...
(٤) من القضايا الثابتة أنّ البدوي يؤخذ بالاحتكام والخوف والسيطرة ، وبعث الرعب في نفسه والتظاهر عليه بالقوة ...
هذه أسباب اجتمعت على فشل سياسة عليّ.