الثانية : قال الشريف الرضي : « ومن كتاب له (عليه السلام) إلى عبد الله بن العباس ، وقد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية : أمّا بعد : فإنّ المرء ليفرح بالشيء الّذي لم يكن ليفوته ويحزن على الشيء الّذي لم يكن ليصيبه ، فلا يكن أفضل ما نلت في نفسك من دنياك بلوغ لذة أو شفاء غيظ ، ولكن إطفاء باطل أو إحياء حقّ ، وليكن سرورك بما قدّمت ، وأسفك على ما خلّفت ، وهمّك فيما بعد الموت » (١).
ورواه غير الشريف الرضي مَن كان قبله ، ومَن كان بعده بتفاوت يوحي بتعدد الروايات عند أصحاب المصادر ، ولما كان جوّ الكتاب وفحوى الخطاب يوحي بوقوع حَدَث استوجب حزن ابن عباس ، فكان الكتاب تسلية له عمّا فاته ، وموعظة له في شأن تقلّبات الحياة بأنّ عظة الإنسان واعتباره فيما بعد الموت. وفي بعض مصادر الكتاب ما يؤكد ذلك.
فاليعقوبي في تاريخه ذكر سبب ذلك فقال : « وكتب أبو الأسود الدؤلي ـ وكان خليفة عبد الله بن عباس بالبصرة ـ إلى عليّ (عليه السلام) يعلمه أن عبد الله أخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم ، فكتب إليه يأمره بردّها فامتنع ، فكتب يقسم له بالله لتردّنها ، فلمّا ردّها عبد الله بن عباس أو ردّ أكثرها كتب إليه عليّ (عليه السلام) : أمّا بعد فان المرء يسرّه ما لم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه ، فما أتاك من الدنيا فلا تكثر به فرحاً ، وما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعاً ، واجعل همك لما بعد الموت والسلام. فكان ابن عباس يقول : ما اتعظت بكلام قط اتعاظي بكلام أمير المؤمنين » (٢).
____________
(١) نفس المصدر ٣ / ١٣٩.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٨١ ط النجف.