العسكري بسنده عن الزهري قال : « ورد عليّ الكوفة بعد الجمل في شهر رمضان سنة ست وثلاثين » (١)!!
فإنّ الزمن الّذي حددوه ـ ومنهم المسعودي ـ من دخول الإمام إلى الكوفة في ١٢ رجب سنة ٣٦ هـ وبين خروجه منها إلى صفين في ٥ شوال سنة ٣٦ هـ لم يبلغ ثلاثة أشهر ، مع أنّ المسعودي بالذات ذكر في كتابه قولاً : « أن كان بين دخول الإمام الكوفة وبين التقائه معاوية للقتال بصفين ستة أشهر وثلاثة عشر يوماً » (٢) ولم يعقب على ذلك القول بشيء ، ممّا دل على رضاه به. وهذا التحديد على ما فيه أحسبه أقرب إلى الواقع إذا ما جعلناه ستة عشر شهراً وثلاثة عشر يوماًَ ، واحتملنا سقوط (عشر) من بعد الستة من الناسخ. وحينئذ يتفق مع قول الشعبي الّذي رواه نصر بن مزاحم : « إنّ عليّاً قدم من البصرة مستهل رجب وأقام بها سبعة عشر شهراً يجري الكتب فيما بينه وبين معاوية وعمرو بن العاص ... » (٣).
فإنّا إذا اعتمدنا هذا القول في تحديد الفترة تكشفت بعض الجوانب من الضبابية ، لأنّها ـ الفترة ـ حينئذٍ تسع لتلك الأحداث المذكورة.
وللتوضيح وعلى سبيل المثال ، فلنأخذ حدثاً له أبعاد زمانية ومكانية تنير الدرب أمامنا. ذلك هو كتاب الإمام إلى جرير بن عبد الله وكان عاملاً لعثمان على همدان وإرساله إلى معاوية ولنرجع في حكايته على طولها إلى أقدم مصدر بين أيدينا هو كتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم المتوفى سنة ٢١٢ هـ.
____________
(١) جمهرة الأمثال ٢ / ١٥٨.
(٢) مروج الذهب ٢ / ٣٦٠.
(٣) وقعة صفين / ٨٩ ـ ٩٠.