غادرها إلى حرب معاوية بصفين ، فإنّ تحديد الفترة بدقة إنّما ينفعنا فعلاً وفي المستقبل لترتيب الأحداث فيما بعدها ، وما ولّدته من تداعيات أفرزت مفاهيم خاطئة وجسيمة ، ومع ذلك فإنّما علينا الأناة ، ولابدّ لنا من الاستهداء بما ذكره المؤرخون على علاّته ، ثمّ علينا الموائمة بين أقوالهم ورواياتهم المتضاربة ما وسع التوفيق لذلك.
ولنأخذ نموذجاً منهم المسعودي المتوفى سنة ٣٤٦ هـ ، فقد قال : « وولى على البصرة عبد الله بن عباس وسار إلى الكوفة ، فكان دخوله لأثنتي عشرة ليلة مضت من رجب ... وصرف عن همدان جرير بن عبد الله البجلي وكان عاملاً لعثمان ... ووجّه بجرير بن عبد الله إلى معاوية ، فلمّا قدم عليه جرير دافعه وساءله أن ينتظره وكتب إلى عمرو بن العاص ... فقدم جرير على عليّ فأخبره خبرهم ... » (١).
وقال : « وكان سير عليّ من الكوفة إلى صفين لخمس خلون من شوال سنة ست وثلاثين ... » (٢).
وقال : « ولمّا كان أوّل يوم من ذي الحجة بعد نزول عليّ على هذا الموضع ـ يعني شريعة الماء بصفين ـ بعث إلى معاوية يدعوه إلى اتحاد الكلمة ، فاتفقوا على الموادعة إلى آخر المحرم سنة سبع وثلاثين ... » (٣).
فهذا نموذج واحد ولم يبعد عنه الآخرون في ضبط الأحداث باليوم والشهر والسنة ، وهذا ما يبعث على العجب! وأعجب منه ما رواه أبو هلال
____________
(١) مروج الذهب ٢ / ٣٨١ تح ـ محمّد محي الدين عبد الحميد.
(٢) نفس المصدر / ٣٤٨.
(٣) نفس المصدر / ٣٨٧.