لكنه لم يقبل النصيحة ، وأتى معاوية وتلقاه الناس وعظّموه بأمر معاوية ، فدخل على معاوية وقد حشي دماغه بأنّ عليّاً قتل عثمان. فقال يا معاوية أبى الناس إلاّ أنّ عليّاً قتل عثمان ، ووالله لئن بايعت له لنخرجنّك من الشام أو لنقتلنّك. قال معاوية : ما كنت لأخالف عليكم ، وما أنا إلاّ رجل من أهل الشام. قال : فردّ هذا الرجل إلى صاحبه إذاً.ثمّ أمر حصين بن نمير أن يحضر له جريراً فأحضره وتجادلا هو وشرحبيل إلى أن كتب جرير رسالة شعرية إلى شرحبيل ينصحه فيها ، فتراجع عن رأيه وبلغ معاوية ذلك فلفق له رجالاً يدخلون عليه ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به عليّاً فأعادوه إلى رأيه الأوّل. وبلغ ذلك قومه فأرسل إليه ابن أختٍ له من بارق بشعرٍ ينصحه ويعيّره بمتابعة ابن هند ، فعزم على قتاله إلاّ أنّه هرب إلى الكوفة ، ثمّ أتى معاوية وجعل يحرّضه على الطلب بدم عثمان فقال له جرير يا شرحبيل ، مهلاً فإنّ الله حقن الدماء ولمّ الشعث وجمع أمر الأمة ... فإياك أن تفسد بين الناس ، وأمسك عن هذا القول قبل أن يظهر منك قول لا تستطيع ردّه ... ثمّ قام فتكلم فصدّقه الناس ، فعندها أيس جرير » (١).
وهذا كلّه يحتاج إلى حساب الزمان الّذي استغرقته تلك المفاوضات والمكاتبات.
وقال أيضاً : « أتى معاوية جريراً في منزله فقال يا جرير انّي قد رأيت رأياً قال : هاته قال اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية ، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي ، وأسلّم له هذا الأمر واكتب إليه بالخلافة ، فقال : جرير أكتب بما أردت وأكتب معك ، فكتب معاوية بذلك إلى عليّ.
____________
(١) نفس المصدر / ٤٩.