فإذا كانت مدة مكث جرير بالشام وحدها كانت أربعة أشهر ، وهي تزيد على ما ذكروه من مدة دخول الإمام الكوفة ١٢ رجب إلى خروجه منها إلى صفين في ٥ شوال سنة ٣٦ هـ ، إذن فالصحيح أن لا نبهر بأسماء المؤرخين ، كما أنا لا نبخسهم حقّهم ، ولكن الحقّ أحق أن يتّبع ، ونذهب إلى أن حرب صفين كانت سنة ٣٧ هـ إلى سنة ٣٨ هـ ، ويؤكد صحة ما ذهبنا إليه قول الشعبي في فترة المكث كانت سبعة عشر شهراً يجري الكتب فيها فيما بينه وبين معاوية وعمرو بن العاص.
ويزيدنا إيماناً بصحة ذلك ، أنّ ابن عباس أقام الحج سنة ٣٦ هـ (١) فحج الناس بأمر من الإمام ، ولو كان الإمام قد خرج في شوال أو ذي القعدة إلى حرب معاوية وكان ابن عباس معه ، لا يمكن أن يحج بالناس في تلك السنة ، لأنّ الحرب بدأت في ذي الحجة وكان قد ولاّه الإمام على الميسرة ، ولم يرد في شيء من التواريخ أنّه ترك الحرب وتوجه إلى الحج.
وأحسب أنّي بصّرت القارئ بعرض المشكلة وحلّها بما يتفق ومنطق العقل وحساب الزمان والمكان. فإنّ الناس يومئذ كانوا يستعملون في مراكبهم الخيل والإبل ـ والبغال على ندرة ـ وتلك وسائطهم لنقل رسائلهم ، ولابدّ لرسلهم من قطع المسافات ، كما لابدّ من ملاحظة حال الرسول وحال المرسل وحال المرسل إليه ، فكلّ ذلك يستدعي منا فرض مدة زمنية على أقل تقدير. ومهما افترضناها من قلة فهي تبلغ أضعاف ممّا ذكره المؤرخون ومنهم المسعودي ـ كما قدمنا ـ فلم يكن لدى الناس يومئذ وسائل الإتصالات كما هي اليوم فلا طائرات ولا فاكس ولا أنترنيت ولا موبايل ، ولا هم يحزنون.
____________
(١) تاريخ الطبري ٥ / ٢٤٤ ط الحسينية ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ١٩٠ ط الغَر ، ومروج الذهب ٢ / ٥٦٧ ط العامرة البهية سنة ١٣٤٦ هـ.