فلمّا أصبح نادى في الناس بالرحيل ، وسار ـ ثمّ ذكر منازله الّتي مرّ بها من رسوم بابل إلى ساباط المدائن وقد هيئت له فيه الأنَزال ، ثمّ إلى الأنبار وهكذا قطع المنازل حتى وصل إلى صفين فوجد معاوية قد نزل على شريعتها الوحيدة الّتي لم يصلح غيرها للرواء ، لأن ما عداها أخراق عالية وأماكن وعرة ، وغياض ملتفّة ، فيها نزور طولها نحو من فرسخين ، وليس في ذينك الفرسخين طريق إلى الفرات إلاّ طريق واحد مفروش بالحجارة ، وسائر ذلك خِلاف وغرب ملتف لا يسلك ، وجميع الغيضة نزور ووحل » (١). هكذا وصفها الدينوري.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : « وكان وصول عليّ (عليه السلام) إلى صفين لثمان بقين من المحرم من سنة سبع وثلاثين » (٢).
وذكر نصر بن مزاحم في وقعة صفين القتال على شريعة الماء حتى ملكها العراقيون : وأرادوا منع أهل الشام منه فيموتوا عطشا ، لكن الإمام منعهم من ذلك وأبت نفسه الشريفة إلاّ تكرّما ، وأباح الماء للواردين منهم أسوة بجنده ، فالناس فيه شرع سواء (٣).
وقال نصر : « ومكث عليّ يومين لا يرسل إلى معاوية ولا يأتيه من قبل معاوية أحد » (٤).
وقال أبو حنيفة في الأخبار الطوال : « ثمّ توادع الناس وكفّ بعضهم عن بعض ، وأمر على ألاّ يُمنع أهل الشام من الماء فكان يسقون جميعاً ، ويختلط
____________
(١) الأخبار الطوال / ١٦٦.
(٢) شرح النهج ١ / ٢٩٢.
(٣) وقعة صفين / ١٨٥ ـ ٢٠٨.
(٤) المصدر السابق / ٢٠٩.