قال أبو حنيفة : « فلمّا انسلخ المحرم ـ أي من سنة ٣٨ ـ بعث عليّ منادياً فنادى في عسكر معاوية عند غروب الشمس : إنّا أمسكنا لتنصرم الأشهر الحرم وقد تصرمت ، وإنّا ننبذ إليكم على سواء ، إنّ الله لا يحب الخائنين.
فبات الفريقان يكتّبون الكتائب ، وقد أوقدوا النيران في العسكرين ، فلمّا أصبحوا تزاحفوا » (١).
هذا ما ذكره الدينوري ، ولم يبعد عن رواية نصر بن مزاحم في وقعة صفين كثيراً. إلاّ أنّ نصراً ذكر في موضع آخر فقال : « فلمّا انسلخ المحرم واستقبل صفر وذلك سنة تسع وثلاثين » (٢) ، وأحسب وهماً أو تصحيفاً جرى في تحديد السنة.
والصحيح فيما أراه كما بيّناه بين شارحتين عند ذكر رواية الدينوري أنّها سنة ثمان وثلاثين ، لأنّه قد مرّ بنا قول ابن أبي الحديد في تاريخ وصول الإمام إلى صفين (لثمانٍ بقين من المحرم من سنة سبع وثلاثين) ، ومرّ بنا عن نصر والدينوري ذكر المراسلة طيلة الأشهر ربيع الأوّل والثاني وجمادى الأولى والآخرة ، ومرّ بنا ذكر الفزعات الّتي تخللت تلك الشهور ، ثمّ ذكر الموادعة في رجب ، ثمّ استمرت الحال على نحو ذلك اللون من الحرب إلى نهاية شهر ذي الحجة وهو نهاية سنة سبع وثلاثين فلابدّ أن يكون هذا المحرّم الّذي تمت فيه الموادعة وقد انسلخ هو بداية سنة ثمان وثلاثين ، ولمزيد من الإيضاح ارجع إلى حلّ مشكلة في التاريخ ستجد مزيداً من التوضيح.
____________
(١) الأخبار الطوال / ١٧١.
(٢) وقعة صفين / ٢٢٨.