والذي يهون الخطب في تقريب شقة الخلاف بين الطرفين ، أنّ المنقول عنها ـ على قلّته ـ إنّما هو أدبيات في الحكمة ، والأخلاق وتهذيب النفس ، وليس نقضاً أو تأسيساً لحكم شرعي ، وليس بينها ما ينافي الأخذ به أصلاً ثابتاً من أحكام الشريعة. فلا نحتاج إلى توظيف الضوابط والمعايير التي وضعها علماء الجرح والتعديل لقبول الرواية. على أنّي لم أغفل هذا الجانب في توثيق بعض المحاورات ذات الشأن في إثبات الإمامة كما سيأتي في حديث التسعة رهط وغيره.
ثم إنّ وجود بعض الأكاذيب في كتاب لا يمنع من إعتماده في غير ذلك ، مهما أثقله الغثّ ، على أنّه ما من كتاب إلاّ وهو يؤخذ منه ويترك إلاّ كتاب الله تعالى ( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ )(١).
ثم أنّا قد نجد الخبر الواحد فيه ما هو مقبول ، وفيه ما هو مرذول ، فلا ملازمة بين قبول بعض أجزائه وبين ردّ بعضها ، وكثيراً ما نجد ضمّ الجوهر مع الحجر ، أو نجد استدراج الراوي لجملة منه داخل الخبر تبعاً لهواه المذهبي المقيت ، أو زلفى لسلطة الوقت التي يعيش في كنفها ، ولقد توصلت مع قناعة تامّة إلى أن المأثور عن ابن عباس لم يخل من بعض تلك الشوائب ، كما لا يمكن الإحاطة بجميع ما قاله ابن عباس رضي الله عنه في هذا المضمار.
وأنّى لي ولغيري أن يحيط خبراً بجميع ذلك ، ونحن جميعاً نأخذ المعلومة من مراجع أصلية أو مصادر فرعية عنها ، وفيها نقرأ اعترافات
____________________
(١) فصلت / ٤٢.