فأراقت دمعتها ، وأبدت عولتها ، وظهر نشيجها ، ثمّ قالت : أرحل والله عنكم ، فوالله ما من أبغض إليَّ من دار تكونون بها.
قلت : ولِمَ ذلك؟ والله ما ذلك ببلائنا عندك ، ولا بأثرنا عليك وعلى أبيك ، إذ جعلناك أمّاً للمؤمنين وأنت بنت أم رومان ، وجعلنا أباك صدّيقاً وهو ابن أبي قحافة.
قالت : تمنّون علينا برسول الله ( صلوات الله عليه وآله )؟
قلت : ولِمَ لا نمن عليكم بمن لو كانت فيك شعرة لمننتِ بها وفخرت ، ونحن منه وإليه لحمه ودمه ، وإنّما أنت حشية من تسع حشيات خلّفهن ، لست بأرشحهن عرقاً ، ولا بأنضرهن ورقاً ، ولا بأمدهنّ ظلاً ، وإنّما أنت كما قال أخو بني أسد :
مننت على قومي فأبدوا عداوة |
|
فقلت لهم كفوا العداوة والنكرا |
ففيه رضا من مثلكم لصديقه |
|
وأحرى بكم أن تظهروا البغي والكفرا |
قال : فسكتت ، وانصرفت إلى عليّ صلوات الله عليه فأخبرته بما جرى بيني وبينها ، فقال صلوات الله عليه : أنا كنت أعلم بك إذ بعثتك.
وتثاقلت عائشة بعد ذلك عن الخروج إلى بيتها فأرسل إليها عليّ صلوات الله عليه : والله لترجعنَ إلى بيتك أو لألفظنّ بلفظة لا يدعوك بعدها أحد من المؤمنين أمّاً.
فلمّا جاءها ذلك ، قالت : أرحلوني أرحلوني ، فو الله لقد ذكرني شيئاً لو ذكرته قبلُ ما سرت بسيري هذا.
فقال لها بعض خاصتها : ما هو يا أم المؤمنين؟