فرضنا لهم حدّاً ، يتوخى نحو ما كان يضربون عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان أبو بكر يجلدهم أربعين ، ثم كان عمر بعده يجلدهم كذلك أربعين ، حتى أتي برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب ، فأمر به أن يجلد ، فقال له : لم تجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله عزوجل ، فقال عمر : في أي كتاب الله عزوجل وجدت لا أجلدك؟ فقال : إنّ الله عزوجل يقول في كتابه : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )(١) ، فأنا من الذين اتقوا ، وآمنوا ، وعملوا الصالحات ، ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا وأحسنوا ، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدراً ، وأحداً ، والخندق ، والمشاهد ، فقال عمر : ألا تردون عليه ما يقول؟ فقال ابن عباس : إنّ هؤلاء الآيات ( نزلن ) عذراً للماضين ، وحجة على الباقين ، فعذر الماضين بأنّهم لقوا الله عزوجل ، قبل أن يحرم عليهم الخمر ، وحجة على الباقين ، لأنّ الله عزوجل يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(٢) ، فإن كان من الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا واحسنوا ، إنّ الله عزوجل قد نهى أن يشرب الخمر ، قال عمر : صدقت ، من اتقى اجتنب ما حرّم الله تعالى عليه ، قال عمر : فماذا ترون؟ قال عليّ رضي الله عنه : إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى ، وعلى المفتري ثمانون جلدة ، فأمر به
____________________
(١) المائدة / ٩٣.
(٢) المائدة / ٩٠.