وقال له معاوية : أخبرني عن بني هاشم وبني أميّة؟
قال : أنت أعلم بهم.
قال : أقسمت عليك لتخبرني.
قال : نحن أفصح وأصبح وأسمح ، وأنتم أمكر وأنكر وأغدر (١).
فكان يحتمل منه قوارع الكلم وقوارص الشتم ، بما هو فيه ما لم ينقل عنه أنّه تحمّله من غيره ، وأحسب أنّ السبب هو معرفته بابن عباس وبما أشتملت عليه جوانحه من أوليات معاوية وفيها فضائحه ، وقد مرّت بعض الشواهد على هذا في الجزء الخامس من الحلقة الأولى ، رغم ما أحيط به شخص معاوية من أسطورة الحلم يبقى ابن عباس كالصقر مع فريسته.
ومن أوّل محاورة جرت بينهما سواء كانت بالشام أو كانت بالمدينة في المسجد الشريف على ملأ من السملمين ، نجد غلبة ابن عباس ، ومنها نعرف مغزى كلمة من قال عن ابن عباس : ( وكان ابن عباس حقّاراً له ). وسنأتي على معناها قريباً تحت عنوان : ( ذلك أدحض لحجتك ).
وكم مرّة أراد معاوية الوقيعة بابن عباس من طريق إحراجه ببعض المسائل ذات الحساسية العالية في نفوس العامّة ، كسؤاله عن الخلفاء واحداً واحداً ، فكان ابن عباس في جوابه مخيباً لظن معاوية في الوقيعة به ، وإسقاطه في أنظار الدهماء.
فقال له مرّة : أنت على ملّة عليّ؟
____________________
(١) نثر الدر ١ / ٢٨٣ ط دار الكتب العلمية بيروت.