وكان مع تقريبه إيانا وقربه منّا لا نبدأه بالكلام حتى يتبسم ، فإذا هو تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، أما والله يا معاوية لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومُه ، وهو قابض على لحيته يبكي ويتململ تململ السليم ، وهو يقول : يا دنيا إياي تغرّين؟ أمثلي تشوقين؟ لا حان حينك ، بل زال زوالك ، قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها. فعيشك حقير ، وعمركِ قصير ، وخطركِ يسير ، آه آه من بُعد السفر ووحشة الطريق ، وقلّة الزاد.
فأجهش معاوية ومن معه بالبكاء ) (١).
ويبدو أنّ معاوية لم يحصل بغيته من ابن عباس التي كان يتوخاها ، بل كانت النتيجة معكوسة ، حيث كان ابن عباس بوصفه الإمام عليه السلام قد استحوذ على مشاعر السامعين بمن فيهم معاوية ومن معه ، حتى جعلهم يتأثرون فيجهشون بالبكاء لقوّة تأثير كلام ابن عباس فيهم.
وقد كرر معاوية الطلب ثانية وأدرك ابن عباس بثاقب فهمه ما يدور في خلد خصمه ، فأبعد هذه المرّة في مرماه وبلغ ما يتوخاه.
٣ ـ فقد روى الحنبلي في ( نهاية الطلب ) والفضل بن شاذان في كتابيه ( الروضة ، والفضائل ) عن ربعي بن خراش ، قال :
( سأل معاوية عبد الله بن عباس ، فقال : ما تقول في عليّ بن أبي طالب؟
____________________
(١) المحاسن والمساوي ١ / ٢٨.