فسل معاوية وعمراً يخبراك ليلة الهرير كيف ثباتنا للمثلات ، واستخفافنا بالمعضلات ، وصدق جلادنا عند المصاولة ، وصبرنا على اللأواء والمطاولة ، ومصافحتنا بجباهنا السيوف المرهفة ، ومباشرتنا بنحورنا حدّ الأسنة ، هل خمنا عن كرائم تلك المواقف ، أم لم نبذل مهجنا للمتالف ، وليس لك إذ ذاك فيها مقام محمود ، ولا يوم مشهود ، ولا أثر معدود. وإنّهما شهدا ما لو شهدت لأقلقك ، فاربع على ظلعك ، ولا تتعرض لما ليس لك ، فإنّك كالمغروز في صفد لا يهبط برجل ولا يرقى بيد.
فقال زياد : يا ابن عباس إنّي لأعلم ما منع حسناً وحسيناً من الوفود معك على أمير المؤمنين ، إلاّ ما سولّت لهما أنفسهما ، وغرّهما به مَن هو عند البأساء يسلمهما ، وأيم الله لو وليتهما لأدأبا في الرحلة إلى أمير المؤمنين أنفسهما ، ولقلّ بمكانهما لبثهما.
فقال ابن عباس : إذن والله يقصر دونهما باعك ، ويضيق بهما ذراعك ، ولو رمتَ ذلك لوجدتَ من دونهما فئة صدقاً صبراً على البلاء ، لا يخيمون عن اللقاء ، فلعركوك بكلاكلهم ، ووطؤك بمناسمهم ، وأوجروك مشق رماحهم ، وشفار سيوفهم ، ووخز أسنتهم ، حتى تشهد بسوء ما أتيت ، وتتبين ضياع الحزم فيما جنيت ، فحذار حذار من سوء النية ، فإنّها ترد الأمنية ، وتكون سبباً لفساد هذين الحيين بعد صلاحهما ، وسعياً في إختلافهما بعد أئتلافهما ، حيث لا يضرّهما إبساسك ، ولا يغني عنهما إيناسك.