فتأخذوها متكارهين عليها ، تقولون : قد نقص الحق ، وليس هذا تأميلنا ، فأيّ أمل بعد ألف ألف أعطيها الرجل منكم ، أكون أسرّ بإعطائها منه بأخذها ، والله لئن انخدعت لكم في مالي ، وذللت لكم في عرضي ، أرى انخداعي تكرماً وذلي حلماً ، ولو وليتمونا رضينا منكم بالإنصاف ، ثم لا نسألكم أموالكم ، لعلمنا بحالنا وحالكم ، ويكون أبغض الأمور إلينا أحبّها إليكم أن نعفيكم ، قل يابن عباس؟
فقال ابن عباس : ولو ولينا منكم مثل الذي وليتم منّا أحسنا المواساة ، وامتننّا بالإثرة ، ثم لم نغشم الحي ، ولم نشتم الميت ، ولم ينبش الميت بعداوة الحي ، ولأعطينا كلّ ذي حق حقه ، فأمّا أعطاؤكم الرجل منّا ألف ألف ، فلستم بأجود منّا كفّاً ، ولا أكرم منّا أنفساً ، ولا أصون لأعراض المرؤات وأهداف الكرم ، ونحن والله أعطى للآخرة منكم للدنيا ، وأعطى في الحق منكم على الباطل ، وأعطى على التقوى منكم على الهوى ، والقسم بالسوية ، والعدل في الرعية ، يأتيان على المنى ، فأمّا رضاكم منّا بالكفاف ، فلو رضيتم منّا لم نرض بأنفسنا به لكم ، والكفاف رضا من لاحق له ، فلو رضيتم به منا اليوم ما قتلتمونا عليه أمس ، فلا تبخلونا حتى تسألونا ولا تلفضونا حتى تذوقونا (١).
فقال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب :
____________________
(١) العقد الفريد ٢ / ٣١٧ ط مصر الأولى بن زكريا الحريري ٣ / ١٩٨ ـ ١٩٩ ٤ / ٨ ط مصر تحقيق أحمد أمين ورفيقيه. تاريخ مدينة دمشق ٤٨ / ٣٣٧ ـ ٣٤٠ ط دار الفكر بيروت.