( أنّه دخل على معاوية يوماً وكان مريضاً ، فرآه معاوية على تلك الحال فطمع فيه. فقال : يا بن عباس الله أعلم حيث يجعل رسالته.
فقال له ابن عباس : الحمد لله الذي أنطقك حقّنا ، وعرّفك فضلنا ، والحمد لله الذي جعل الخير منّا ، والنبّوة فينا ، وجعلنا أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
قال : وكان معاوية متكئاً فجلس ، وقال : كيف رأيتم الله حرمكم هذا الأمر الذي عرضتم له مناكبكم؟
فقال له ابن عباس : يا معاوية إنّ الله لم يزل يذود أولياءه عن الدنيا ذياد الراعي أبله عن موارد الهلكة ، وقد قال سبحانه : ( قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ )(١). وأيم الله لولا حق النبوّة وحرمة الإسلام ووصية النبيّ بهما عند عدم الناصر ، وغلبة العدو ، لعلمت أنّه يقصر باعك ويضيق منكبك أن تقذف دلواً في طوى (٢) شدّ عليها هاشمي رشاءً (٣).
فقال له معاوية : يابن عباس لا أزال أمازحك ولم تحلم.
فقال ابن عباس : إنّ الحلم عمّن يرى له الفضل عليك صعب ، فاتق الله يا معاوية وأعرف الحق لأهله ، ولعمري إنّك لتعرفه ولكنك تنكره ) (٤).
____________________
(١) إبراهيم / ٣٠.
(٢) الطوى : البئر المبنية بالحجارة.
(٣) الرشاء : الحبل الذي يشدّ به الدلو.
(٤) غرر الأخبار ودرر الآثار / ٢٧٠ ، والصوارم المهرقة / ٦ ط ١ بتحقيق جلال الدين الحسيني.