إلى النار ، فما تقول يا ابن عباس؟
قال : أقول خيراً ، إذا أردتَ الدنيا فقد أمكنتك من قيادها ، وصار في يديك ضرعها ، فإن أردت الآخرة فهي لك ممكنة وفي يدك أسبابها ، فإن أردت الدنيا فارتضع ، وإن أردت الآخرة فارتدع ، وأعلم أنّ ما زادك في الآخرة ونقصك من الدنيا خير لك ممّا زادك في الدنيا ونقصك من الآخرة ، فلا يسرّنك من الدنيا سارّ ، ولا يغرنّك عن الآخرة غار ، فلعمري لقد حلبتَ الدهر أشطره ، وشربتَ صفوه ، ورعيتَ عفوه ، فانظر أيّ أمر يكون غداً إن لم يكن المصير إلاّ إلى النار فاحذر الآخرة ) (١).
أقول : ولهذه النصيحة صورة أخرى رواها البلاذري بأخصر ممّا مر. فقد روى في ( أنساب الأشراف ) عن المدائني عن عوانة وابن جعدبة قالا : ( قال معاوية لابن عباس : إنّ عثمان أصاب من هذه الدنيا وأصابت منه ، وإنّها قد مالت بي وملت بها فما ترى يا أبا عباس؟
فقال : إنّ الدنيا قد أمكنتك فهي في يدك ولك درّها ، وإنّ الآخرة ممكنة لك إن أردتها ، ولمّا نقصك من دنياك وزادك في آخرتك خير لك ممّا نقصك من آخرتك وزادك في دنياك ) (٢).
____________________
(١) مقامات العلماء بين يدي الخلفاء والأمراء / ٢٠٥ ، تحقيق محمد جاسم الحديثي.
(٢) أنساب الأشراف١ / ق٤ / ٤٧.