لأنفسكم أقرب القوم ممّا تكرهون ، وإنّما عهدكم بعبد الله بن قيس بالأمس يقول : إنّها فتنة فقطّعوا أوتاركم ، وشيموا سيوفكم ، فإن كان صادقاً فقد أخطأ بمسيره غير مستكره ، وإن كان كاذباً فقد لزمته التهمة.
فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله بن العبّاس ، وخذوا مهل الأيام ، وحوطوا قواصي الإسلام ألا ترون بلادكم تُغزى ، وإلى صفاتكم ترمى ) (١).
ولكن أنّى لأهل العراق أن يسعدوا بنصائح الإمام عليه السلام ، وقد أستحوذ عليهم الشيطان فمرق منهم من مرق ، وطفق منهم مع معاوية من وصلته صرار الرشوة ، وهكذا تمت الخدعة ، ولئن تمت فقد أبقت عارها وشنارها على الثلاثة الذين باؤا بأثمها معاوية وعمرو وأبي موسى الأشعري.
فكان ابن عباس يصفع تلك الوجوه بحججه الدامغة ، فيما جرت له من محاورات تكشفت فيها مخازيهم خصوصاً مع معاوية وابن العاص اللذين كان الناس يصفونهما بالدهاء ، وقد مرّت بنا محاوراته مع معاوية وقرأنا كيف أعجزه عن الجواب حتى أزعجه فتبرم منه وقال له : ( أرحني من شخصك شهراً ) ، وأنتهت الحال بالقطيعة بينهما. وأمّا عمر وبن العاص ، فقد كان يعترف ويقول : ( ما اتقيت جواب أحد من الناس غير جواب ابن عباس رضي الله عنه لبداهته ) (٢).
ولقد مرّ بنا في الحلقة الأولى في الجزء الرابع ( حديث الخديعة ) ،
____________________
(١) نهج البلاغة / ٤٥١ ـ ٤٥٢.
(٢) محاضرات الراغب ١ / ٣٦ ط الشرفية بمصر.