الحجة بالحجة وصار إلى المخادعة والمخاتلة بطريقة إيقاع الفرقة بين الهاشميين ، وإغراء بعضهم على بعض ، وليس ذلك ببدع منه فقد كان ـ على حدّ قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ـ : ( يودّ ما ترك من بني هاشم نافخ ضرمة إلاّ طعن في نيطه ) (١).
وهل في الهاشميين بعد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مثل ابن عباس في فهمه وعلمه ، وعقله وفضله ، فليجهد معاوية نفسه فيما يفرّق به بين المرء وإمامه ، وذلك بخديعة ابن عباس وإنّه الرأس بعد الإمام عليه السلام.
وهذه الفكرة لم تبارح معاوية طيلة حكمه ، فسيأتي من الشواهد عليها بعد موت الإمام الحسن عليه السلام وقوله لابن عباس : ( أصبحت سيّد أهلك ) ، ولكن ابن عباس الذكي الألمعي لا ينخدع بزبرج الألفاظ فرد عليه قائلاً : ( أمّا ما بقي أبو عبد الله الحسين بن عليّ فلا ... ).
والآن إلى حديثه في صفين برواية نصر بن مزاحم :
قال نصر بن مزاحم : ( فلمّا قتل أهل الشام ، قال معاوية : إنّ ابن عباس رجل من قريش ، وأنا كاتب إليه في عداوة بني هاشم لنا ، وأخوّفه عواقب هذه الحرب لعله يكف عنّا. فكتب إليه :
أمّا بعد فإنّكم يا معشر بني هاشم لستم إلى أحد أسرع بالمساءة منكم إلى أنصار عثمان بن عفان ، حتى أنّكم قتلتم طلحة والزبير لطلبهما بدمه ، واستعظامهما ما نيل منه ، فإن يكن ذلك لسلطان بني أمية فقد وليها عدي
____________________
(١) الفائق للزمخشري ( نيط ).