لهما عليه ، ولئن بقي يجري في عنانهما ليبرحنّ بهما تبريح الأشقر مقراً وشيحاً ) (١).
نعم لقد برّح بهما أيّما تبريح ، حتى قال معاوية بعد وصول الجواب إليه : ( هذا عملي بنفسي ، لا أكتب والله إليه كتاباً سنة كاملة ).
ومرّ بنا قول عمرو بن العاص معانياً ومعاتباً معاوية على حمله أن يكتب إلى ابن عباس وجاءه الجواب المليء تقريعاً وتسفيهاً ، فقال : ( أنت دعوتني إلى هذا ، ما كان أغناني وإياك عن بني عبد المطلب ).
ولم يرتدع ابن النابغة عن غيّه بل كان متمادياً في عناده ، وأزداد عتواً ونفوراً بعد أن أخذ مصر طعمة من معاوية ، فكان يرى لنفسه ما يشمخ به ، إلاّ أنّه ما أن يرى ابن عباس إلاّ وتتصاغر نفسه ، ويهبط من عليا كبريائه ، فيحمله الحسد على المراوغة والمداجاة ، وأخيراً إلى المراضاة تخفيفاً لغلوائه ، أنّى يجديه ذلك وفي كلّ مشهد ومقام يرى من ابن عباس ما يزري به ، ويغضّ من قدره.
ولنقرأ بعض المحاورات التي جرت بين ابن العباس وابن العاص. وكلّ منهما على سجيّته وجبَلَته :
____________________
(١) أنباء نجباء الأبناء لابن ظفر المكي / ٨٠ ط مصر. والمعنى برّح به الأمر تبريحاً أي جهده ، والأشقر مَن الخجل حمرته صافية يحمّر معها العرف والذنب ، والمقر ـ ساكن ـ دقّ العنق ، والشيح ـ في لغة هذيل ـ الجادّ في الأمور.