فقال له ابن عباس : هيهات يا أبا عبد الله ، صار ابن أخيك أخاك ، ولا تشاء أن تبكي إلاّ بكيت ، كيف يؤمن برحيل مَن هو مقيم؟
فقال عمرو : وعلى حينها! حين ابن بضع وثمانين سنة تقنطني من رحمة ربّي ، اللهم إنّ ابن عباس يقنّطني من رحمتك ، فخذ منّي حتى ترضى.
فقال ابن عباس : هيهات يا أبا عبد الله أخذتَ جديداً وتُعطي خَلِقاً.
فقال عمرو : ما لي ولك يا بن عباس؟ ما أرسلت كلمة إلاّ أرسلت نقيضها ) (١).
فقال ابن قتيبة في ( المعارف ) : ( ثم وضع إصبعه في فمه حتى مات ) (٢).
وروى اليعقوبي في تاريخه ، قال : ( ولمّا حضرت عمرواً الوفاة ، قال : لابنه : لودّ أبوك أنّه كان مات في غزاة ذات السلاسل ، إنّي قد دخلت في أمور لا أدري ما حجتي عند الله فيها.
ثم نظر إلى ماله فرأى كثرته ، قال : ياليته كان بعراً ، ياليتني مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة ، أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني ، أثرت دنياي وتركت آخرتي ، ( عمي ) عليَّ رشدي حتى حضرني أجلي ، كأنّي بمعاوية قد حوى ما لي وأساء فيكم خلافتي.
ـ قال الله تعالى : ( كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ )(٣) ، وقال تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً
____________________
(١) الإستيعاب لابن عبد البر٢ / ٤٣٦ في ترجمة عمرو بن العاص ، رغبة الآمل٣ / ٢١٤.
(٢) المعارف / ٢٨٦ تح عكاشة.
(٣) البقرة / ١٦٧.