كمقدمة له ، فلم ينفر مع الأحنف إلاّ ألف وخمسمائة رجل ، فاستقلهم ابن عباس رضي الله عنه قام في الناس خطيباً فقال بعد الحمد والثناء : ( أمّا بعد فقد جاءني كتاب أمير المؤمنين يأمرني بإشخاصكم ، فأمرتكم بالنفير إليه مع الأحنف ابن قيس فلم يشخص معه إلاّ ألف وخمسمائة ، وأنتم في الديوان ستون ألفاً سوى أبنائكم وعبدانكم ومواليكم ، ألا فانفروا مع جارية بن قدامة السعدي ، ولا يجعل أمرؤ على نفسه سبيلاً ، فإنّي موقع بكلّ من وجدته تخلّف عن دعوته ، عاصيّاً لإمامه حزناً يعقب ندماً ، وقد أمرت أبا الأسود بحشدكم ، فلا يلم أمرؤ جعل السبيل على نفسه إلاّ نفسه ) (١).
٥ ـ ومن خطبة له : ( يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب ، وكتابكم الذي أنزل على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم أحدث الأخبار بالله تقرؤنه لم يشب ، وقد حدّثكم الله أنّ أهل الكتاب بدّلوا ما كتب الله وغيّروا بأيديهم الكتاب ، فقالوا : هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم ، ولا والله ما رأينا منهم رجلاً قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم ) (٢).
وهذه الخطبة تصف لنا جانباً اجتماعياً مهمّاً ، وهو إنهيار الشخصية الإسلامية عند بعض المسلمين ممن بهرهم ما كان عليه أهل الكتاب من الحديث المزيّف ، خصوصاً أولئك الذين دخلوا في الإسلام ظاهراً ، فكانوا يسألونهم ويأخذون عنهم ، غافلين عمّا كان يدسه أولئك الدخلاء الذين
____________________
(١) الإمامة والسياسة ١ / ١٢١ ، تاريخ الطبري ٥ / ٧٨.
(٢) صحيح البخاري ٣ / ١٨١.