استغلهم النظام الحاكم حيث وجدوا فيهم أدوات صماء لا يعقلون ، فكانوا يحشون آذانهم بكلّ ما هبّ ودبّ من الإسرائيليات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وما كان الحاكمون في غفلة بل يتغافلون ـ على أحسن الظن ـ عن نوايا أولئك الشرّيرين حتى اتسع الرتق ، وفشا حديثهم في جوامع المسلمين ، فكان كعب الأحبار ووهب بن منبه وتميم الداري وأضرابهم هم المحدّثون والمسلمون سمّاعون للكذب ولا يستنكرون ، فخشي ابن عباس رضي الله عنه من النتائج السيئة لتلك الفتنة أن يعمّ شرّها المسلمين ، فخطب الناس محذراً لهم من كيد أولئك الدخلاء ونواياهم السيئة.
٦ ـ وخطب الناس في يوم من أيام صفين ، فقال : ( الحمد لله رب العالمين الذي دحا تحتنا سبعاً ، وسمك فوقنا سبعاً ، وخلق فيما بينهن خلقاً ، وأنزل لهم فيها رزقاً ، ثم جعل كلّ شيء يبلى ويفنى غير وجهه الحيّ القيوم الذي يحيى ويبقى. إنّ الله بعث أنبياء ورسلاً ، فجعلهم حججاً على عباده عذراً ونذراً ، لا يطاع إلاّ بعلمه وإذنه ، يمنّ بالطاعة على من يشاء من عباده ، ثم يثيب عليها ، ويعصى فيعفو ويغفر بحلمه ، لا يقدّر قدره ، ولا يبلغ شيء مكانه ، أحصى كلّ شيء عدداً ، وأحاط بكلّ شيء علماً.
ثم أنّي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، إمام الهدى والنبيّ المصطفى. وقد ساقنا قدر الله إلى ما قد ترون حتى كان فيما اضطرب من حبل هذه الأمّة ، وانتشر من أمرها ، أن ابن آكلة الأكباد قد وجد من طغام أهل الشام أعواناً على عليّ بن أبي