ولو خرج إلى ما دون المسافة غير قاصدٍ للعود ، ذهولاً أو تردّداً ، أو قصده ولم يقصد إقامةً مستأنفةً ولا إتمامَ الأُولى ، ولم يقصد السفر ، ذهولاً عنه أو تردّداً فيه ، أتمَّ في ذلك كلِّه ذاهباً ، وعائداً ، وفي البلد ، على الأقوى.
ولو قصد السفر بعد العود ، من غير إقامةٍ ثانيةٍ ولا إتمامِ الأوّلة ، سواء كان السفرُ خاصّة مسافة ، أم مع العود ، ففي الذهاب يتمُّ ، وفي العود والبلد كذلك ، لكن الاحتياط فيه الجمعُ بين القصر والإتمام ، والصومُ ثمّ قضاؤه.
وكذلك الكلام فيمن أقام في بلد ، وخرج إلى ما دون المسافة بعد إتمام الإقامة ، حرفاً بحرف .. ). انتهى.
أقول : موضع الاستشهاد بهذا الكلام أمرُه بالجمع بين القصر والإتمام ، لمن لم يقصد بعد العود إقامة عشرة أيّام ، وتصريحُه باتحاد الحكم في الخارج بعد تمامها ، والخارج في أثنائها ، مع أنّ مِن جملةِ المنكرين مَن ينتمي لتقليد هذا القائل ، وهو كما ترى من أصرح الدلائل.
فهذه جملةٌ من كلمات فقهاء الإسلام ، وأساطين النقض والإبرام ، من المتقدّمين والمتأخّرين ، ومتأخّريهم ، والفضلاء المعاصرين. وقد سمعتَ ما تضمّنته من الاختلاف ، وكثرة الاضطراب ، وعدم الائتلاف. وإنّما لم ننقل كلام الجازمين بالإتمام في جميع الصور والأقسام ؛ لكونه عند المعترض غنيّاً عن البيان والإعلام.
ومَنْ جاس خلال تلك الديار ، وخاضَ عُباب ذلك البحر التيّار ، وطافَ حولَ كعبةِ هذا المنار ، ولاحظ تلك الأقوال المتشاكسة ، والمشاهير المتعاكسة ، والنقول المتناكسة ، التي يقف عليها من تدبّر مبسوطات علمائنا الأبرار ، علم أنّ هذه المسألة صعبةٌ خطيرة ، بل كلّما ازداد الحاذق دقّة وبصيرة ازداد فيها توقّفاً وحيرة.
فبالله عليكم! يا معشَر السالكين نَجْدَ الإنصاف ، والمجانبين عمياء التعصّب والاعتساف ، إذا دارت المسألة بين الإتمام في جميع صورها ، وبين التقصير فيها بأسرها ، وبين الاحتياط ، فيما عدا محلّ الإجماع ، وهو أكثر شقوقها ، ولم يعلم السّائل