فلو نذر قراءة سورة معيّنة بعد الفاتحة فشكّ عند الهويّ إلى الركوع أنّه أتى بها أم لا ، وجب العود إلى محلّ القراءة والإتيان بها ؛ لأنّ قاعدة الشكّ بعد الفراغ إنّما تقتضي الإتيان بالجزء المشكوك فيه من حيث ترتّب صحّة العمل عليه ، لا أنّها تقتضي ثبوته واقعاً ليترتّب عليه فراغ الذمّة من المنذور. والهُويّ إلى الركوع موجب لتجاوز محلّ السورة من حيث كونها جزءاً للصلاة لا مطلقاً ، فيجب الإتيان حينئذ بالسورة المنذورة ليتحقّق بُرء النذر.
ثمّ إنّ الشكّ في الشيء بعد الفراغ منه قد يكون سببه موجوداً حين الاشتغال بالعمل المشكوك فيه باعتبار ما يتعلّق به من جزئه أو شرطه ، لكن لم يتحقّق الشكّ فيه فعلاً في المحلّ من جهة عدم الالتفات إلى سببه ، كما إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنّه حرّك خاتمه عند غسل إصبعه حركة خاصّة يذكر كيفيّتها ، لكن يشكّ في إيصالها الماء إلى الجزء الذي تحت الخاتم على وجه لو التفت حين الاشتغال لشكّ هذا الشكّ ، فتجاوُزُ المحلّ لم يؤثّر أثراً بالنسبة إليه ، ولم يتغيّر موضوع بسببه ، فكأنّ الشكّ موجود حال العمل ، فهو وإنْ كان بعد الفراغ بالنظر إلى فعليّته إلّا إنّه يسري إلى حين العمل نظراً إلى وجود سببه وتحقّقه شأناً حين العمل.
فالظاهر عدم جريان هذه القاعدة فيه ، بل يجري عليه حكم الشكّ في المحلّ من الالتفات إلى الشكّ والحكم بأصالة العدم.
وما دلّ على أنّه إذا شكّ في شيء ودخل في غيره فشكّه ليس بشيء (١) وإنْ كان ظاهر لفظه الشمول لهذا الشكّ ؛ لظهور الشكّ في الفعلي دون ما وجد منشؤه ولم يتحقّق فعلاً ، إلّا إنّه بعد ملاحظة أنّ منشأ اعتبار القاعدة الظهور النوعي ؛ لأنّ الظاهر من حال المسلم الآتي بالفعل بقصد براءة ذمّته ألّا يترك بعض ما اعتبر فيه لا عمداً ولا سهواً ؛ لندور حالة السهو بالنسبة إلى حالة الالتفات ، كما يدلّ عليه قوله عليهالسلام : « لأنّه
__________________
(١) انظر : التهذيب : ٣٥٢ / ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ١.