احتياطاً بالنسبة إلى غيره.
ولا ريب أنّ مقتضى ذلك العموم أنّه إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث يبني على الثلاث ، وفيه غنى عن الأخبار الخاصّة ، وقد يتمسّك ببعضها بتكلّف ، كخبر زرارة عن أحدهما عليهماالسلام ، قلت له : رجل لا يدري : أثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال : « إنْ دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمّ صلّى الأُخرى ، ولا شيء عليه » (١).
فإنّ المحكي عن صاحب ( الوسائل ) (٢) الاستدلال بها هنا ، بناءً على أنّ المراد بالأُخرى صلاة الاحتياط ، وأنّ المراد البناء على الثلاث وإتمام الصلاة ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط. لكنّه خلاف الظاهر ، فإنّ ( اللام ) في الأُخرى للعهد ، ولا عهد بصلاة الاحتياط ليشار إليها بلامه.
فالظاهر أنّ المراد من الثالثة في قوله : « بعد دخوله في الثالثة » الركعة التي يُعلم عندها الإتيان بالثالثة وهي المحتمل كونها رابعة. ومعنى ( المضيِّ في الثالثة ) المضيُّ فيها على أنّها ثالثة أخذاً بالمتيقَّن وبناءً على الأقل ، ثمّ صلّى الأُخرى ، أي : الركعة الرابعة ، كما هو ظاهر العهد ، فتكون الرواية واردة للتقيّة ؛ لأنّه مذهب العامة.
إلّا إنّه قد تقرّر أنّه إذا دار الأمر بين حمل اللفظ على كون الداعي إلى التكلّم به من نفس الأمر غير مدلوله الظاهري لوروده تقيَّة ونحوها مع استعماله في حقيقته ، وبين حمله على المعنى المجازي والتصرّف في دلالته ، تعيّن الحمل على الثاني ؛ لبناء أهل اللسان على ترجيح التصرّف في جهة الدلالة على التصرّف في جهة الصدور ، فلا بدّ من تأويلها بما يوافق الخاصّة ، وهو يمكن بوجهين :
الأوّل : أنْ يراد من قوله : « بعد الدخول في الثالثة » المعنى السابق ، إلّا إنّ المراد من قوله : « مضى في الثالثة » أنْ يمضي فيها على أنّها رابعة ، ومعنى : « ثمّ صلّى الأُخرى » صلاة الاحتياط ، فتدلّ على البناء على الأكثر. إلّا إنّه خلاف الظاهر ، مع أنّ مفهومه أنّه إذا
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٥٠ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٣ / ٧٥٩ ، الإستبصار ١ : ٣٧٥ / ١٤٢٣ ، الوسائل ٨ : ٢١٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٩ ، ح ١.
(٢) الوسائل ٨ : ٢١٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٩.