الزوال ويكون عنده من القوّة القريبة بحيث لو التفت الى ما هو مركوز في ذهنه لزال منه الشكّ بسرعة ، أو لا يكون كذلك ، بألّا يزول على تقدير زواله إلّا بتروٍّ كثير.
وقد يكون الغرض من التروِّي تمييز كون العارض ظنّاً أو شكّاً ؛ إذ كثيراً ما يشتبه الحال في ذلك فيتردّد في أنّه هل يترجّح أحد الاحتمالين على الآخر ، أم لا ، فيتروّى لتمييز ذلك؟
فإنْ كان النزاع في الأوّل كما يظهر من المحقّق البهبهاني رحمهالله فالظاهر عدم الإشكال في وجوبه ، وعدم جواز ترتيب أحكام الشكّ بمجرّد خطوره ، لوجوه :
الأوّل : أنّه لو اجري حكم الشكّ على مثل هذا الخطور البدْوي لزم العسرُ والحرجُ المنفيان في الشرع.
الثاني : لزوم الوقوع في خلاف الواقع كثيراً.
الثالث : أنّ موضوع تلك الأحكام في الأدلّة أنّما هو الشكّ ، وحقيقته الشكّ المستقرّ ، وأمّا الخطور البدْوي فليس من الشكّ في شيء ؛ لمجامعته العلم بالخلاف والظنّ والشكّ به ، إذ الإنسان قد يعلم شيئاً لكن يغيب عن ذهنه آناً ما فيخطر بباله خلافه ثمّ يلتفت إليه سريعاً ، ولا ريب في أنّ هذا لا يعدّ جهلاً بالشيء.
وقد يظنّ شيئاً وتعرض له هذه الحالة فلا يكون ذلك شكّاً ، وإلّا لما جامع العلم. والظنّ سلّمنا دخوله في الشكّ ، إلّا إنّ الظاهر من إطلاق الشكّ في الأدلّة الشكّ العرفي الذي يعتدّ به أهل العرف ويرتّبون عليه آثار الشكّ ، وليس إلّا الشكّ المستقرّ دون الخطور البدوي.
وإنْ كان النزاع في المعنى الثاني ، فالظاهر أيضاً وجوبه ؛ لأنّ الشكّ وإنْ كان مستقرّاً إلّا إنّه لمّا فرض أنّه مركوز في ذهن الشاكّ ما يزيل شكّه لو تأمّل كان شكّه حينئذٍ بمنزلة العدم ؛ لزواله بحسب القوّة القريبة ، وكان في نظر العرف في عداد العالمين ، غاية الأمر أنّه قد غاب عن ذكره ما هو موجود في الخزانة ، لكنّه لو التفت وتروّى في الجملة زال عنه الشكّ رأساً.