فعلى الأوّل يلزم معلوميّتها لكلّ عاقل ، وعلى الثاني يلزم خفاؤها كذلك كما هو واضح لدى الطالب السالك ؛ للتضادّ بين تينك الصفتين فلا يجتمعان ولا يرتفعان من البين.
فالمصلحة المقتضية للفرق بين مواضع التعيين والتخيير إنْ كانت جليّة لزم ما لا يجوز اعتقاده من خطأ مَنْ عدا ابن إدريس بل فسقه من علماء الإماميّة ، حيث علموا العلّة المقتضية للفرق ولم يعملوا بمقتضاها مع أنّها جليّة.
وإنْ كانت خفيّة فلا سبيل لابن إدريس عليها دون غيره من محقّقي الاثني عشريّة ، كما لا يخفى على ذي رويّة.
لكن نقول : إنّ العلّة المقتضية للجهر شاملة للموضعين ، كما حقّقناه في الرسالة الموسومة بـ ( قرّة العين ).
ثمّ قال ساعده الله بالإقبال ـ : ( والرواية تعطي إيجاب القراءة في الصلاة ؛ لقوله : فكان يقرأ في فاتحة الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم ، بل ظاهر هذا في الجهريّة بدليل قوله : فإذا كانت صلاة .. إلى آخره (١) ، ويستفاد الإخفات في الأخيرتين بالكلّية قراءة وتسبيحاً ، بالبسملة وغيرها من قوله : وأخفى ما سوى ذلك (٢) ).
أقول والله أسأل الوصول للمأمول ـ : أمّا إعطاء الرواية إيجاب القراءة كان مع قطع النظر عمّا سواها من النصّ والإجماع وقصر النظر عليها كما هو ظاهر كلامه زيد في إعظامه فليس نصّاً في الدلالة ، بل ولا ظاهراً من المقالة ؛ لأنّ قصاراها حكاية الفعل ، وهو أعمّ من الوجوب.
وأمّا الدوام والاستمرار المشعر بهما صيغة ( كان ) فلا يستلزمان الوجوب ؛ لما علم من ملازمتهم عليهمالسلام على المستحبّات سيّما المؤكّدات لاستغراقهم ذواتهم وطبائعهم في طاعة ربّ السماوات في جميع الأوقات ، وإنْ كان مع النظر لما سواها فلا كلام فيه ، إلّا إنّه لا يصحّ نسبة إيجاب القراءة إليها ، كما لا يخفى على نبيه.
هذا ، وقد استدلّ بعض المحقّقين على وجوبها بقوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦.
(٢) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦.