بجعله مأخوذاً من العِشر بالكسر في أوراد الإبل في قول العرب : وردت الإبل عشراً ، إذا وردت اليوم العاشر أو التاسع.
ولعمري إنّه تأويل لا داعي إليه ولا وجه له يُعَوَّل عليه ، لمخالفته القوانين القطعيّة والقواعد الكلّيّة من وجوب حمل الألفاظ على ظواهرها الحقيقيّة ومداليلها الظاهريّة ، إلّا أنْ يمنع من ذلك وجود إحدى الصوارف من القرائن الحاليّة أو المقاليّة ، ومدافعته لما نصّ عليه في الأحاديث المتكثّرة والتواريخ المعتبرة : من أنّ العاشوراء هو اليوم الذي قُتل فيه الحسين الطاهر ، والفرخ الزاهر (١) ، مع ضميمة الإجماع نصّاً وفتوى : على أنّ ذلك اليوم هو خصوص اليوم العاشر (٢).
نعم ، سيأتي في بعض أخبار المسألة إطلاق العاشوراء على التاسع أيضاً ، كما في خبر مسعدة بن صدقة ، حيث قال عليهالسلام فيه : « صُوموا العاشوراء التاسع والعاشر »(٣).
إلّا إنّ قُصَارى ما فيه إطلاقه عليه والاستعمال فيه ، والاستعمال هنا أعمّ من الحقيقة ، فلا دلالة فيه على أنّ عاشوراء هو خصوص التاسع كما هو المدّعى ، بل أُطلق عليه مجازاً لعلاقة المجاورة ، كجري الميزاب لمجاورته الماء في وجه ، وكإطلاق الراوية على ظرف الماء لمجاورته الراوية التي يُحمل عليها الماء من الدوابّ الثلاث.
أو لمشابهته له في الصفة ، ومشاركته إيّاه في الحكم ، كما يقال : الفقاع خمر ، والطواف بالبيت صلاة ، والرجل الشجاع أسد ، حيث شابه كلّ منهما الآخر في الصفة ، أو شاركه في كثير من الأحكام وإن غايره في بعضها ، فالتاسع لمّا شارك العاشر وشابهه في المصائب العظام والرزايا الجسام أُطلق عليه اسمه ، كما يقال : كلّ يوم من الأيام عاشوراء ، قال البوصيري في الهمزيّة
__________________
(١) تاريخ الطبري ٣ : ٣٠٥ ، مروج الذهب ٣ : ٧٤ ، البداية والنهاية ٨ : ١٨٥.
(٢) المقنعة : ٣٧٧ ، المبسوط ١ : ٢٨٢ ، منتهى المطلب ٢ : ٦١١.
(٣) التهذيب ٤ : ٢٩٩ / ٩٠٥ ، الإستبصار ٢ : ١٣٤ / ٤٣٧ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٧ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٢٠ ، ح ٢.